واعلم أن (إمّا) / في العطف أصلها (إن ما) فأدغمت النون في الميم ، والدليل على أن الأصل ما ذكرناه قول الشاعر (١) :
لقد كذبتك نفسك فاصرفنها |
|
فإن جزعا وإن إجمال صبر |
أراد (إما) والدليل على ذلك أنه لم يأت ل (إن) بجواب (٢) بعد البيت ولا قبله ، وذلك أن الفاء إذا دخلت على حرف الشرط لم يجز أن يكون ما قبلها جوابا لها كقولك : أنا أحبك فإن أتيتني ، ولو أسقطت الفاء صار ما قبلها جوابا (٣) فدلّ على ما ذكرناه أن البيت لا يحتمل إلا معنى (إما) وإذا كان كذلك صح أن أصلها من (إن) و (ما).
فإن قال قائل : (إما) هذه التي تكون للشك هي التي تكون للجزاء أو غيرها؟
قيل له : هي هي إلا أنها في الشك يلزم تكريرها ، وإنما انتقلت للجزاء ؛ لأن الشرط يجوز أن يكون ويجوز ألّا يكون ، ومعنى (إمّا) في العطف إيجاب أحد الشيئين ، لما تضارعا من هذا الوجه أدخلت في العطف ، أعني التي للجزاء مع (ما).
واعلم أن (إما) في العطف إذا تكررت فإن العاطفة منها الثانية لا الأولى ، وإنما أدخلت الأولى لوجهين :
__________________
(١) البيت من البحر الوافر ، وهو منسوب لدريد بن الصمة وهو في ديوانه ٦٨ ، وفي شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي ١ / ٢٠٩ ، وفي أمالي ابن الشجري ٣ / ١٥٠ ، وفي الخزانة ١١ / ١٠٩ ، وهو بلا نسبة في الكتاب ١ / ٢٦٦ ـ ٣ / ٣٣٢ ، وفي الكامل ١ / ٣٧٨ ، وفي المقتضب ٣ / ٢٨ ، وفي شرح أبيات سيبويه للنحاس ١٢٤ ـ ٣٢١ ، وفي شرح المفصل ٨ / ١٠١ ، وفي المساعد على تسهيل الفوائد ٢ / ٤٦٣ ، وفي ارتشاف الضرب ٢ / ٢١٣ ، وفي الهمع ٥ / ٢٥٤.
ورواية الديوان : لقد كذبتك نفسك فاكذبيها ...
(٢) ونقل ذلك عنه أبو حيان أثير الدين الأندلسي في كتابه (تذكرة النحاة) ، ومطابقة النصين دليل على أن النص للوراق هذا صاحب العلل ، وليس لوراق آخر كما ذكر محقق التذكرة في الحاشية (٣) من الصفحة ١٠٩.
(٣) المعروف أن جواب الشرط لا يتقدم عليه ، وإذا تقدم عليه وجب حذف جملة الجواب. انظر حذف جملة جواب الشرط ـ المغني ٧٢١.