ليس في الكلام ، وإذا قدرنا الكلام على هذا صار اللفظ : جاءني إلا زيد ، لأنه لا يوجب مجيء العالم بأجمعهم إليه سوى زيد ، وليس يستحيل هذا في النفي لأنك إذا قلت : ما جاءني أحد إلا زيد ، فالكلام صحيح ؛ لأنه يجوز أن ينفي مجيء العالم سوى مجيء زيد ، فلذلك لم يجز البدل في الإيجاب.
فإن قال قائل : / فلم صار البدل في النفي أجود من النصب على الاستثناء؟
ففي ذلك جوابان :
أحدهما : أن البدل مطابق للفظ ما قبله ومعناه ، ومعنى الاستثناء سواء ، فلما كان المعنى واحدا كانت مطابقة اللفظ أولى من اختلاف يوجب تغيير حكم ، فلذلك كان البدل أجود.
والوجه الثاني : أن البدل يجري في تعلق العامل به كمجراه في سائر الكلام ، ويحمل فيه من غير تشبيه بغيره ، والمنصوب على الاستثناء يشبه بالمفعول به (١) فكان ما يجري على الأصل أقوى من المشبه.
فإن قال قائل : فهلا جعلتم (إلا) هي العاملة في الاستثناء دون التشبيه بالمفعول؟(٢)
فالجواب في ذلك أن (إلا) لو كانت عاملة ما جاز أن يقع بعدها مختلفا ، فلما وجدنا ما بعدها مختلفا منصوبا ومخفوضا ومرفوعا ومعناها قائم علمنا أنها ليست بعاملة ويدل ذلك أيضا أنّا لو وضعنا في موضعها (غير) لا تنصب (غير) كقولك :
__________________
(١) انظر الاستغناء في الاستثناء ٦٧.
(٢) جاء في المصدر السابق : " اختلف في العامل في الاستثناء مع إلا فقيل : الفعل بواسطة إلا ...
وقيل : العامل ما قبله من الكلام ، فهو منصوب على تمام الكلام ...
وقيل : العامل إلا ، لأنه لم يوجد غيرها ...
وقيل : العامل فيه إلا غير أنها نائبة عن (استثنى) ...
وقيل : انتصب على أنه اسم إن ، وخبرها محذوف ... بناء على أن إلا مركبة من حرفين : إن ولا ..." ٦٧ ـ ٦٨.