فإن قال قائل : لم لم تكتف بتقدم الأسماء عن إظهار العلامة كما اكتفيت بالواحد؟
قيل له : إنما جاز استتار ضمير الواحد لإحاطة العلم أن الفعل لا يخلو من فاعل واحد وقد يخلو من اثنين وأكثر من ذلك فلو سترنا (١) ضمير الاثنين والجمع لجاز أن يتوهم أن الفعل لواحد فلذلك وجب إظهار علامة التثنية والجمع.
وأما الضمير المنفصل المنصوب فإياك ، وإياي ، وإياه وقد اختلف في هذا الاسم على وجوه فكان الخليل رحمهالله يقول : هو اسم مظهر مضاف ناب عن الضمير فاستدل على إضافته بقول العرب : إذا بلغ المرء الستّين فإياه وإيّا الشوابّ (٢).
فلو كان مضمرا لم تجز إضافته لأن المضاف يقدر قبل الإضافة نكرة ثم يضاف لأن الغرض في الإضافة تعريفه ، فلذلك وجب أن يقدر نكرة ، فلو كان الضمير لا يجوز أن يكون نكرة لم يجز أن يكون مضافا.
وأما الأخفش فكان يقول : إنه اسم بكماله وذلك أن (إيّا) لما نابت عن الكاف في قولك : ضربتك ، كانت اسما بكمالها وإن ما بعد (إيّا) من الكاف والياء والهاء لا موضع لها من الإعراب وإنها متعلقة ب (إيا) كما تتعلق التاء من أنت ب [أن](٣) فالزم على هذا القول (٤).
__________________
(١) في الأصل : استرنا.
(٢) قال سيبويه : " قال الخليل : لو أن رجلا قال : إياك نفسك لم أعنّفه ، لأن هذه الكاف مجرورة وحدثني من لا أتهم عن الخليل أنه سمع أعرابيا يقول : إذا بلغ الرجل الستين فإيّاه وإيّا الشواب".
الكتاب ١ / ١٤١ (بولاق) وانظر أيضا الأصول لابن السرّاج ٢ / ٢٥١ فقد نقل قول الخليل.
(٣) كتبت في الأصل على الهامش.
(٤) جاء في شرح المفصل عن هذه المضمرات : " اعلم أن هذا الضرب من المضمرات فيه إشكال ولذلك كثر اختلاف العلماء فيه ، وأسد الأقوال إذا أمعن النظر فيها ما ذهب إليه أبو الحسن الأخفش وهو أن (إيّا) اسم مضمر وما بعده من الكاف في إياك ، والياء في إياي ، والهاء في إياه حروف مجردة من مذهب الاسمية للدلالة على أعداد المضمرين وأحوالهم لا حظ في الإعراب ...". ٣ / ٩٨ (إدارة الطباعة المنيرية).