وأما إذا قلت في المؤنث (منه) فحركت النون ولم تحركها في التثنية إذا قلت (منتين) ، لأن هاء التأنيث لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ، فلذلك حركت النون في قولك (منه) وإنما سكنتها في (منتين) لأن علامة التأنيث قد صارت في وسط الكلمة فجاز أن يتوهم فيها غير التأنيث ويجعل بمنزلة أخت ، وإنما دعاهم إلى ذلك تحريك نون (من) وقد وجدنا مساعدا إلى تسكينها إذ كانت مبنية ولا يجوز أن تحرك نون التثنية والجمع وتاء المؤنث في قولك : شاءت ، لأن تحريكها إنما يجب في الدرج إذا أدرجت ، فلما ثبت لما ذكرناه أنه لا يجوز تحريك العلامات في الوصل ، وكانت الحركات لا يوقف عليها وجب إسكانها على ما ذكرناه ، وأما (أي) إذا استفهمت بها عن نكرة فإنك تعربها لأنها متمكنة يدخلها الإعراب فوجب أن يلحقها الإعراب علامة للحكاية إذ كانت متمكنة فتقول إذ قال الرجل : رأيت رجلا ، أيا يا هذا؟ وأيّين في التثنية ، وأيين في الجمع ، وكذلك أيان وأيون في الرفع. واعلم أن بعض العرب يصل ويبقي العلامة وذلك قليل من ذلك قول الشاعر (١) :
أتوا ناري فقلت : منون أنتم؟ |
|
فقالوا : الجن ، قلت : عموا ظلاما |
وإنما جاز ذلك على التشبيه ب (أي) لاشتراكهما في الاستفهام والجزاء والخبر وبعض العرب يوحد من في جميع الجهات فيأتي بالواو والألف والياء فيقول : منا للواحد المنصوب والمثنى والمجموع ، وكذلك منو (٢) ، ومني في الرفع والجر وإن ثني وجمع وإنما جاز ذلك لأن (من) فيها معنى العموم ، فلما كانت تقع على الجماعة ولفظها واحد جاز أيضا أن يقع هاهنا هذا الموقع.
__________________
(١) الشاهد بلا نسبة في أغلب المصادر وهو في : الكتاب ١ / ٤١١ (هارون) ، والمقتضب ٢ / ٣٠٧ ، وشرح أبيات سيبويه للسيرافي ٢ / ١٨٣ ، والخصائص ١ / ١٢٩ ، وأسرار العربية ٣٩٣ ، وشرح المفصل ٤ / ١٦ ونسبه لشمر بن الحارث الطائي ، وفي الارتشاف ٣ / ٧٧ ، وأوضح المسالك ٣ / ٢٣١ ، وشرح ابن عقيل ٤ / ٤٣٣ ، وفي الهمع ٦ / ٢٢١ ، وفي الخزانة ٦ / ١٦٧ ـ ١٦٨.
(٢) في الأصل : منوا.