واعلم أن الأسماء كان حقها ألا تستعمل في باب الجزاء إلا أن هذه المعاني حقها أن تختص بالحروف وتكون الأسماء دالة على المسميات فقط وإنما أدخلوها في الجزاء لفوائد ، وأما (من) فجاز استعمالها في الجزاء لأن (من) فيها معنى العموم لجميع من يعقل ، فلو استعملت (إن) وحدها وغرضك العموم لم يمكنك أن تقدر جميع الأسماء التي للأشخاص ، ألا ترى أنك إذا قلت : من يأتني أكرمه ، أن هذا اللفظ انتظم الجميع أعني جميع من يعقل ، وإذا قلت : إن يأتني زيد أكرمه ، وعددت أشخاصا كثيرة على التفصيل لم يستغرق جميع من يعقل / وإن توسع في ذكر أقوام ، و (من) تقتضي العموم من غير تكرير فلذلك استعملت في باب الجزاء.
فإن قال قائل : فما الفائدة في استعمال (أي) في باب الجزاء وهي لا تختص لشيء فهلا اكتفي بإضافتها؟
فالجواب في ذلك أنها استعملت لمعنى الاختصار ، وذلك أنك إذا قلت : أي يأتني (١) أكرمه ، ناب (أي) عن قولك : إن يأتني بعض القوم أكرمه ، فلما كان اختصار (٢) لفظ من (أن) تضمنها معنى الإضافة ولم يكن بدّ إلى القوم من ذكر المضاف والمضاف إليه استعملت في باب الجزاء لما ذكرناه من الاختصار.
وأما (متى) فاستعملت في الجزاء لاختصاصها بالزمان ، وفيها معنى العموم لجميع الأوقات فجرى مجرى (من) في جميع من يعقل ، ألا ترى أنك إذا قلت : متى تقم أقم ، جمع هذا اللفظ جميع الأوقات ولن تحتاج أن تخص وقتا بعينه ، ولا يمكنك أن تقدر جميع الأوقات ، وحكم (أين) في المكان كحكم (متى) في الزمان.
وأما (أنّى) فمستعمل بمعنى (كيف) وفيها معنى الحال ، وهي تقتضي العموم ويدخلها أيضا مع ذلك معنى التعجب كقولك في الاستفهام : (أَنَّى يَكُونُ لِي
__________________
(١) في الأصل : يأتي.
(٢) في الأصل : احضار.