معناه إلا بتقدمهما جميعا وليس أحدهما بمنفك من الآخر ، فصار حكمها كالنار والحطب في باب تأثير (١) الماء بهما وهذا المذهب مذهب أبي العباس (٢).
واعلم أن الأصل في باب الشرط والجزاء أن يكونا مضارعين كقولك : إن تضرب أضرب لأن / حقيقة الشرط بالاستقبال فوجب أن يكون اللفظ على ذلك ، ويجوز أن يقعا ماضيين لأن الماضي أخف من المضارع فاستعملوه لخفته وأمنوا اللبس إذ كانت حروف الشرط تدل على الاستقبال ، ويجوز أن يكون الأول ماضيا والجواب مضارعا وليس كحسن الأولين ، لأنك خالفت بين الشرط والجواب وهما مستويان في الحكم ، وأما إن جعلت الشرط مضارعا والجواب ماضيا فهو قبيح ، والفصل بينهما أن الشرط إذا كان مضارعا وقد عملت فيه أن فقبيح أن يأتي لفظ الجواب مخالفا (ما) أوجبته الحرف العامل ، وأما إذا كان الأول ماضيا فقد حصل لفظ الأول غير معمول فيه والأصل أن يعمل فيه فإذا جاء الجواب مخالفا له في اللفظ فقد جاء مستعملا على الأصل استعمال المضارع ، فصار استعمال الأصل معلوما للخلاف فلذلك افترقا.
واعلم أن جواب الشرط قد يقع مبتدأ وخبرا إلا أنه متى وقع على هذا الوجه فلا بد من إلغاء قولك : إن يأتني زيد فأنا أكرمه ، فإن حذفت المبتدأ بقي الفعل مرفوعا لأنه في موضع خبر المبتدأ كقولك : إن يأتني زيد فأكرمه والمعنى فأنا أكرمه ، وإنما وجب إدخال الفاء لأن المبتدأ والخبر جملة تقوم بنفسها وليس ل (إن) فيها تأثير ، لأنها ليست من عوامل الأسماء فلو جاز أن يلي المبتدأ والخبر الشرط لم يعلم أنه متعلق به وجاز أن يعتقد انقطاعه مما قبله ، فأدخلوا الفاء ليتصل ما بعدها بما قبلها ، وإنما كانت أولى من سائر حروف العطف لأنها توجب أن
__________________
(١) في الأصل كلمة على صورة (استحقاق) ولم أتبينها وقد وضعت ما يناسب السياق.
(٢) قال المبرد : " فإذا قلت إن تأتني آتك. ف (تأتني) مجزومة بإن ، و (آتك) مجزومة بإن وتأتني ـ ونظير ذلك من الأسماء قولك : زيد منطلق ، فزيد مرفوع بالابتداء ، والخبر رفع بالابتداء والمبتدأ." المقتضب ٢ / ٤٩.