الفعل ، وأصل الإدغام إدخال الشيء في الشيء مأخوذ من قولهم : أدغمت فاس اللجام في فم الفرس ، وإنما حملهم على الإدغام طلب الخفة ؛ لأن الشيء إذا كان خفيفا بقي على أصله ، ولا بد من إسكان الحرف المدغم لأن الحركة حائلة بين الحرفين المدغم والمدغم فيه.
وإنما وجب الإدغام لئلا تعود إلى حرف نطقت به إلى مثله من وسطه ، وإذا أدغمت رفعت لسانك عن الحرف المدغم في الآخر رفعة واحدة (١) لا تكرير فيه ولا يجوز أن يكون بينهما متوسط فلذلك وجب إسكان الحرف المدغم ، فأما ما زاد على ثلاثة أحرف والتقى فيه حرفان من جنس واحد فالإدغام فيه واجب لأنه لما / كثرت حروفه طال وثقل ، فلما كان الإدغام في الثلاثي الذي ثانيه مكسور أو مضموم واجبا كان ما زاد على الثلاثي أولى بذلك ؛ لأنه أثقل منه ألا ترى أنه أثقل منه إلا أن تكون الكلمة ملحقة وذلك أنك لو بنيت من ضرب ، نحو جعفر ، لقلت : ضربب ، ولم يجز الإدغام ، وإنما لم يجز ذلك لأنك لو أدغمت لألقيت حركة الباء الأولى على الراء فتغيرت الباء والراء عن أصلهما ، وكان الإلحاق يزول والغرض في الإلحاق أن يكون الملحق مطابقا للفظ الملحق به في حركاته وسكونه فلذلك لم يجز الإدغام في هذا القبيل فأما قوله (٢) :
فغضّ الطرف إنك من نمير |
|
فلا كعبا بلغت ولا كلابا |
فلك في الضاد أربعة أوجه الضم والفتح والكسر من وجهين ، فأحد وجهي الكسر أن تحرك الضاد الآخرة لسكونها وسكون الطاء في الطرف فالكسر لا
__________________
(١) ذكر المبرد ذلك ، انظر المقتضب ١ / ١٩٧. وانظر باب إدغام المثلين في الفعل ١ / ١٩٨ ـ ٢٠٥.
(٢) الشاهد من الوافر وهو لجرير في ديوانه ٧٥ من قصيدة يهجو بها الراعي النميري ، وفي الكتاب ٣ / ٥٣٣ ، والكامل ١ / ٤٣٨ ، والمقتضب وجوزه على الأوجه الثلاثة الفتح والكسر والضم ، ودرة الغواص ٥٠ ، وفيه قال الحريري : " فقد جوّز كسر الضاد من (غضّ) لالتقاء الساكنين ، وفتحها لخفة الفتحة ، وضمها على إتباع الضمة قبلها وهو أضعفها" ، وشرح المفصل ٩ / ١٢٨ ، والارتشاف ١ / ١٦٦ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٥٠ ، والهمع ٦ / ٢٨٨.