وإنما وجب الحذف في الواو دون الميم لوجهين :
أحدهما : أن الميم لو حذفت وبقيت الواو لجاز أن يلقاها ساكن ، ولا بد من حذف الواو أو (١) تحريكها ، فلو حذفت أدى ذلك إلى الإجحاف بالفعل ، ولو حركتها لأدى إلى الاستثقال إذ كانت الحركات في حروف مستثقلة ، فوجب أن تحذف الواو وتبقى الميم التي لا يستثقل عليها الحركة ، ولا يجب حذفها.
والوجه الثاني : أن حروف المد أضعف من غيرها ، فلما وجب حذف أحد الحرفين وجب حذف الأضعف وهو الواو.
فإن قال قائل : فلم لم تحركوا أحدهما؟
قيل : لو حركنا الآخر وجب تحريكه بالفتح أو الضم إذ الكسر ممنوع من الفعل. وإن الأصل في التحريك لالتقاء الساكنين الكسر ، ولو حركنا الآخر بالضم أو بالفتح لم تعلم علامة الجزم لأنه أدى اللفظ إلى لفظ النصب أو الرفع ، ولو حركنا الأول لأدى / إلى الاستثقال إذ الحركات في هذه الحروف مستثقلة.
فإن قال : أليس قد حركتم إذا لقيها ساكن من كلمة أخرى بالكسر لسكونها وسكون الواو؟
فالجواب في ذلك أنها لو حركت بالسكون من أجل الواو التي قبلها لصار الكسر لازما لها إذ كانت الواو لازمة ، فلما صار الكسر لازما والجر عارضا لا يدخل الفعل ، كان الكسر اللازم أولى بالمنع.
وأما الكسر لأجل الساكن من كلمة أخرى فجاز لأجل أن الكسر لا يلزم الحرف لأن الكلمة الثانية لا تلزم الفعل فلما كان الكسر عارضا استعملوه لأنه الأصل وليس مما يلزم ، وأما اللازم فتجنبوه فهذا الفصل بينهما.
__________________
(١) في الأصل : و، واستخدام الواو هنا غلط فكيف لنا أن نجمع بين الحذف والتحريك؟!