لا يستعمل في المجرور لأن ذلك لا يؤدي إلى التسوية في الصورة فلهذا رفض ، فأما المنصوب فإنه لا يستعمل في شيء من هذا لأنه يبدل فيه من التنوين ألف فتظهر حركة الإعراب في الوقف ويصير هذا المعنى عوضا مما تدخله الألف من التنوين ، وذلك إذا كان في المنصوب ألف ولام أو كان لا ينصرف.
فإن قال قائل : فلم وقع الجزم في الأفعال على ضربين مرة بحذف حرف ومرة بحذف حركة (١)؟ قيل له : أصل الجزم القطع ولا بد للمجزوم أن يحذف من آخره علامة الرفع ، وإذا كان الفعل معتلا سكن آخره علامة للرفع ، ولا بد أن يكون للجزم علامة وتأثير ، فلما لم يصادف في آخر الفعل إلا حرفا ساكنا حذفه ليكون بينه وبين المرفوع فصل ، وجاز حذف الحرف لضعفه إذا كان ساكنا ، فجرى مجرى الحركة في جواز الحذف عليه.
فإن قال قائل : فلم وجب حذف الواو من قولك : لم يقم دون حذف الميم؟ ولم وجب الحذف في الجملة؟
فالجواب في ذلك أنه ليس من كلام العرب الجمع بين ساكنين في الوصل لأن الجمع بينهما في الوصل محال ، ولكنه ليس بموجود فلم يكن بد من حذف أحد الساكنين أو تحريكه ليخرج إلى كلامهم.
وقد يمكن تعليل امتناع الجمع بين ساكنين بأن يقال : إن الحرف الساكن إذا تكلم به [ف](٢) إن المتكلم في حكم الواقف عليه والمبتدي بما بعده ، وقد بينا أن الابتداء بالساكن محال ، فكان الجمع بينهما يشبه الابتداء بالساكن فلهذا امتنعوا.
__________________
(١) قال سيبويه : " واعلم أن الآخر إذا كان يسكن في الرفع حذف في الجزم ، لئلا يكون الجزم بمنزلة الرفع ، فحذفوا كما حذفوا الحركة ونون الاثنين والجميع. وذلك قولك : لم يرم ، ولم يغز ... وهو في الرفع ساكن الآخر ، تقول : هو يرمي ، ويغزو ..." الكتاب ١ / ٢٣ (هارون) وناقش ابن الأنباري هذه العلّة في أسرار العربية ٣٢٢ ـ ٣٢٣.
(٢) زيادة ليست في الأصل.