والجهة الرابعة : أن الجر أخف من الرفع ، فلما أردنا حمل المنصوب وهو خفيف ، كان حمله على المخفوض أولى.
فإن قال قائل : فلم أدخلتم في تثنية المرفوع الألف ولم تبقوه على أصله؟
قيل له : لأنهم أرادوا أن يستعملوا الحروف الثلاثة في التثنية والجمع كما استعملوا حركاتها في الواحد ، فلما وجب إسقاط الألف من المنصوب لما ذكرناه ، لم يبق موضع يدخل عليه سوى المرفوع أو المجرور فأدخلوها في تثنية المرفوع لما ذكرناه.
فإن قال قائل : فهلّا أدخلوها في تثنية المجرور؟
قيل له : إدخالها في تثنية المرفوع أولى لأن الواو أثقل من الياء ، فلما كان لا بد من إسقاط الواو والياء وجب إسقاط الأثقل.
فإن قال قائل : لم وجب فتح واو التثنية وياء التثنية في الأصل؟
قيل له : لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ، والتثنية قبل الجمع ، فقد استحقت التثنية الفتح في النصب لأصل الألف ، وحملت الياء والواو على الألف ، وضم ما قبل الواو في الجمع ، وكسر ما قبل الياء لوجهين :
أحدهما : أن الكسر من الياء ، والضم من الواو ، فكان أولى ما يجربه ما هو من جنسها.
والوجه الثاني : أن الفتح قد فات باستحقاق التثنية له ، فلم يبق إلا الضم ، وكذلك لو ضم ما قبل ياء الجمع انقلبت واوا فكان يختلط الجر بالرفع ، ولم يبق إلا الكسر.