وهذه الضمائر أعني الألف ، والواو ، والياء ، في تضربين إنها لا يكون ما قبلها من حروف الإعراب لأنه لو جعل ما قبلها من حروف الإعراب لجاز أن يسكن في الجزم فيلتقي ساكنان فكان يؤدي ذلك إلى حذف الضمير لالتقاء الساكنين ، وكان أيضا يجب أن تنقلب الألف واوا إذا انضم ما قبلها وكذلك الياء فتختلط العلامات ، فلما كان يؤدي إعراب ما قبل هذه المضمرات إلى ما ذكرنا بطل أن يكون ما قبلها حرف الإعراب ، ولم يكن لحاق هذه الضمائر بمزيل للفعل عن استحقاق الإعراب لأن مضارعته لم تزل ولا بد من إعراب ، وقد فات حرف إعرابه أن يعرب فجعلوا النون بمنزلة الضمة ، وجعلت بعد هذه الضمائر ، ولم يجز أن تجعل هذه الضمائر حروف الإعراب كما جعلت (الألف) و (الواو) و (الياء) في تثنية الأسماء وجمعها ، لأن هذه الضمائر ليست بجزء من الفعل في الحقيقة وإنما هي أسماء في أنفسها ، ولم يجز أن يكون إعراب الفعل في غيره لأنها من جهة اللفظ قد جعلت كجزء من الفعل فوجب أن يكون الإعراب بعدها ، وكانت النون من سائر الحروف (١) لما ذكرناه من شبهها بحرف المد ، وجعل تثبيتها علامة للرفع بمنزلة الضمة وأسقط في الجزم كما تسقط الضمة ، وحمل النصب على الجزم إذ كان لفظ هذه الأفعال قد صار كلغة تثنية الأسماء وجمعها ، وحمل النصب على الجزم في هذه الأفعال لأن الجزم في الأفعال نظير الجر في الأسماء(٢).
فإن قال قائل : أنت تذهبين إنما هو خطاب للواحدة فلم استوى نصبه وجزمه وليس في الأسماء المفردة ما حمل نصبه على جزمه؟
قيل له : إن قلنا : أنت تضربين ، وإن كان خطابا للواحدة فهو مشبه للفظ الجمع ، ألا ترى أن الجمع في حال النصب والجر يكون آخره ياء قبلها كسرة كما أن في
__________________
(١) أي وكانت النون هي حرف الإعراب من بين سائر الحروف.
(٢) انظر شرح ذلك في الكتاب ١ / ١٨ ـ ١٩ (هارون).