كان النضر بن شميل من علماء اللغة المتقدمين يقول : «أكلت الدنيا بعلم الخليل بن أحمد وكتبه وهو في خص لا يشعر به» (١)
ولعل شيئا واحدا قد بقي معروفا عن الخليل هو أنه من علماء النحو المتقدمين ، وأن كتاب سيبويه قد حفل بعلمه وآرائه في النحو واللغة.
ان اشياء كثيرة تتصل بعلم الخليل قد خفيت على جمهرة من الدارسين. أقول : ان الخليل أحد الكبار العباقرة الذين هم مفخرة الحضارة العربية ، وانه مبدع مبتكر ، والا بداع عند الخليل متمثل في عناصر عدة منها :
أنّ الخليل قد وضع أول معجم للعربية فلم يستطع أحد ممن تقدمه أو ممن عاصره أن يهتدي الى شيء من ذلك.
ولا بد لنا من أن نشير الى أن علماء اللغة ممن تقدم الخليل وممن عاصره لم يستطيعوا استيفاء العربية بصنعة محكمة قائمة على الاستقراء الوافي.
وبسبب من ذلك قصروا عملهم على تصنيف الرسائل الموجزة والمصنفات المختصرة التي تناولوا فيها موضوعا من الموضوعات كالابل والوحوش والخيل والجراد والحشرات وخلق الانسان وخلق الفرس والبئر والسرج واللجام ونحو ذلك من هذه المواد.
غير أن الخليل بن أحمد لم يصنع شيئا من ذلك فلم يعرض لهذه الابواب التي أشرنا إليها ، ولكنه استقرى العربية استقراء أقرب الى ما يدعى ب «الاحصاء» في عصرنا الحاضر ، فقيض له أن ينتهي الى «كتاب العين» فكان أول معجم في العربية ، وهو عمل جد كبير إذا عرفنا أنه من المعجمات الأولى في تاريخ اللغات الانسانية.
ومن غير شك أن أصحاب المصنفات الموجزة التي أشرنا إليها قد أفادوا من «كتاب العين» لقد استقروه استقراء وافيا فجردوا منه مصنفاتهم كما استقروا كتبا أخرى لا نعرفها ولم يفصحوا عنها.
__________________
(١) الأنباري ، نزهة الالباء ص ٤٨.