ما زلنا ننكر أن اللغة التي يعرب بها الناس شيء يستحق القليل من العناية ، وأنها نتيجة لذلك ، لغة مرذولة في حين أنها مادة الحياة اليومية ، وكأن صنيعنا هذا انتصار للفصيحة التي لم نحسن الوصول إليها وفهمها بل افهامها الى ناشئة المتعلمين منا.
إننا نعاني صعابا حين نعرب بلغتنا الفصيحة ، ومن أجل ذلك لا نقيم اعرابها ولا نحسن أن نأتي بالأبنية الفصيحة على نحو ما هو معروف في «صرف» العربية ، ثم لا نجيد صوغ جملها على نحو يكفل الاعراب عن مقاصدنا اعرابا مفيدا صحيحا.
لقد نسي أصحابنا الغيارى على الفصيحة المعربة أن السلف من علماء اللغة الثقات كانوا يعنون بلغات القبائل ولغات الناس وأنهم سجلوا في رسائلهم شيئا من ذلك.
إن البحث في تاريخ العربية يدلنا على أن العلم اللغوي القديم قد اتبع في تقييده وضبطه وسائل علمية ما زالت مقبولة. لقد اهتموا بالفصيحة لاهتمامهم بلغة التنزيل ولغة الحديث ، كما اهتموا بلغات العامّة.
إن الخليل بن أحمد مثل من الامثال اضربه لأدلل على جهلنا بتاريخ هذه اللغة. لعل الكثيرين من الدارسين وذوي الاختصاص لا يعرفون سوى أنّ الخليل من النحاة المتقدمين الكبار. ثم نبّه فريق من المتخصصين الى «الكتاب» كتاب سيبويه ومكانة الخليل في هذا «الكتاب» النفيس. ولا يعدو علم اخرين بالخليل سوى أنه صاحب كتاب العين ، ويذهب فريق آخر في علمه الى أبعد من ذلك قليلا فيعرف قاصدا أم غير قاصد الى هذه المعرفة أن «العين» ليس من صنع الخليل.
وما زلنا نردد أحيانا هذه المقولة المكذوبة المختلقة التي روّجها الأقدمون وفي مقدمتهم الأزهري صاحب «التهذيب». أن نفرا آخر من أهل العلم لا تعدو معرفته بالخليل سوى كونه مبتدعا لعلم موازين الشعر.
ومن العجيب أن الخليل بن أحمد لم يعرف على حقيقته في مختلف العصور على الرغم من أن معاصريه ومن خلفهم قد أفادوا من علمه الشيء الكثير.