ومن غرائب فتن الابتكار في معاني القرآن قول من زعم : إن هذه الواو واو الثمانية ، وهو منسوب في كتب العربية إلى بعض ضعفة النحاة ولم يعين مبتكره. وقد عد ابن هشام في «مغني اللبيب» من القائلين بذلك الحريري وبعض ضعفة النحاة كابن خالويه والثعلبي من المفسرين.
قلت : أقدم هؤلاء هو ابن خالويه النحوي المتوفى سنة ٣٧٠ فهو المقصود ببعض ضعفة النحاة. وأحسب وصفه بهذا الوصف أخذه ابن هشام من كلام ابن المنير في «الانتصاف على الكشاف» من سورة التحريم إذ روى عن ابن الحاجب : أن القاضي الفاضل كان يعتقد أن الواو في قوله تعالى : (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) في سورة التحريم [٥] هي الواو التي سماها بعض ضعفة النحاة واو الثمانية. وكان القاضي يتبجح باستخراجها زائدة على المواضع الثلاثة المشهورة ، أحدها : التي في الصفة الثامنة في قوله تعالى : (وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) في سورة براءة [١١٢]. والثانية : في قوله : (وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ). والثالثة : في قوله : (وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) في الزمر [٧٣]. قال ابن الحاجب ولم يزل الفاضل يستحسن ذلك من نفسه إلى أن ذكره يوما بحضرة أبي الجود النحوي المقري ؛ فبين له أنه واهم في عدها من ذلك القبيل وأحال البيان على المعنى الذي ذكره الزمخشري من دعاء الضرورة إلى الإتيان بالواو هنا لامتناع اجتماع الصفتين في موصوف واحد إلى آخره.
وقال في «المغني» : سبق الثعلبي الفاضل إلى عدها من المواضع في تفسيره. وأقول : لعل الفاضل لم يطلع عليه. وزاد الثعلبي قوله تعالى : (سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) في سورة الحاقة [٧] حيث قرن اسم عدد (ثمانية) بحرف الواو.
ومن غريب الاتفاق أن كان لحقيقة الثمانية اعتلاق بالمواضع الخمسة المذكورة من القرآن إما بلفظه كما هنا وآية الحاقة ، وإما بالانتهاء إليه كما في آية براءة وآية التحريم ، وإما بكون مسماه معدودا بعدد الثمانية كما في آية الزمر. ولقد يعدّ الانتباه إلى ذلك من اللطائف ، ولا يبلغ أن يكون من المعارف. وإذا كانت كذلك ولم يكن لها ضابط مضبوط فليس من البعيد عد القاضي الفاضل منها آية سورة التحريم لأنها صادفت الثامنة في الذكر وإن لم تكن ثامنة في صفات الموصوفين ، وكذلك لعد الثعلبي آية سورة الحاقة ؛ ومثل هذه اللطائف كالزهرة تشم ولا تحك.
وقد تقدم الكلام عليها عند قوله تعالى : (وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) في سورة براءة [١١٢].