فإن أمكن امتثال الأمر بفرد آخر غير المجمع أثّر كل من الملاكين أثره ، لعدم التضاد بين الحكمين بعد عدم كون الكراهة حكما إلزاميا وعدم كون الأمر اقتضائيا في مورد الاجتماع ، فيلتزم ببقاء الأمر على إطلاقه بالاضافة إليه ، فيجزي عنه ، مع فعلية الكراهة فيه.
وإن انحصر امتثال الأمر بالمجمع لزم التزاحم بين الحكمين ، فيتعين تقديم الأمر إن كان إلزاميا ، والترجيح بالأهمية إن لم يكن إلزاميا. لكن المرجوح وإن سقط بالمزاحمة يبقى ملاكه ، ولذا يصح الامتثال به إن كان المرجوح هو الأمر.
كما أن الظاهر عدم الإشكال بينهم في إمكان التقرب به لو كان عبادة ، كما يظهر بأدنى ملاحظة لكلماتهم في الفقه ، حيث ذكروا في شروط العبادات ـ كالطهارات والصلاة والحج ـ إباحة متعلقاتها في الجملة ، كالماء والاناء والمصب والساتر وغيرها على تفصيل يرجع إلى اعتبار عدم اتحاد فعل العبادة مع الحرام أو إيصاله إليه ، ولم يشيروا لذلك في الكراهة مع كثرة المكروهات في الامور المذكورة بنحو تتحد العبادة معها أو توصل إليها ، وما ذلك إلا لمفروغيتهم عن عدم مانعيتها من التقرب.
وكأنه لما ذكره المحقق الخراساني قدّس سرّه من الفرق بين النهي التحريمي والتنزيهي بأن التحريمي يقتضي كون الفعل معصية للمولى ومبعدا منه ، فيمتنع التقرب به ، بخلاف التنزيهي ، حيث لا تكون مخالفته معصية للمولى.
ولذا اتفقوا على صحة العبادة مع مزاحمتها لمستحب أهم ، واختلفوا في صحتها مع مزاحمتها لواجب ، فذهب جماعة لبطلانها للنهي عنها ، بناء منهم على أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده.
لكن قال سيدنا الأعظم قدّس سرّه : «النهي التحريمي والنهي التنزيهي وإن اختلفا في اقتضاء مخالفتهما البعد وعدمه ... إلا أنهما لا يختلفان في مانعيتهما من إمكان