القليل هو الدنيا بحذافيرها ، فإنها قليلة بجنب رضوان الله ، ومن الدنيا الرئاسة والمال والجاه. (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) أي فخافون الخوف الذي يوصلكم إلى فعل الأمر ، وترك النهي. قال طلق بن حبيب : «التقوى أن تعمل بطاعة الله رجاء رحمة الله على نور من الله ، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله».
(وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) لبس الحق بالباطل : خلطه ، وكتمان الحق : عدم إظهاره ، نهاهم عن الشيئين معا : ألا يلبسوا الحق بالباطل فيموهوه به ، وألا يكتموا الحق في حال علمهم أنهم لابسون وكاتمون ، لأن ذلك أقبح إذ ربما عذر مرتكب القبيح إذا كان جاهلا قال قتادة : (أي) «لا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام وأنتم تعلمون أن دين الله هو الإسلام». وقال ابن عباس : «لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاء به وأنتم تجدونه مكتوبا عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم» أقول : وكلام قتادة وابن عباس مما يدخل في النهي ، والنهي أعم. (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) أمرهم أن يصلوا صلاة المسلمين ، وأن يدفعوا زكاة أموالهم كما يفعل المسلمون ، وأن تكون صلاتهم مع المسلمين ليكونوا معهم ومنهم. وقد استدل كثير من العلماء بقوله تعالى (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) على وجوب صلاة الجماعة.
أمرهم فيما مر أن يذكروا نعمته ، وأن يوفوا بعهده ، وأن يرهبوه ، وأن يكونوا أول المؤمنين بالإسلام ، وألا يعتاضوا عن الإسلام بالدنيا ، وأن يتقوا الله ، وألا يخلطوا الحق بالباطل ، وألا يكتموا الحق مع علمهم به ، وأن يقيموا الصلاة وأن يؤتوا الزكاة ، وأن يصلوا مع المسلمين في جماعاتهم ، فإن فعلوا هذا كانوا أبرارا على الحقيقة وهم يزعمون أنهم دعاة إلى البر وليس البر إلا هذا ، فالبر إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ، والبر صلاة وزكاة ووفاء بالعهد ... كما سنرى في آية البر ، ومن ثم فإن الله عزوجل بعد هذه الأوامر والنواهي خاطبهم موبخا ومعجبا من حالهم :
(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) يأمرون الناس بطاعة الله وتقواه والالتزام بكتابه وهداه والوفاء بعهوده ، وهذا القرآن هو كتابه ومحمد رسوله صلىاللهعليهوسلم فلو كانوا صادقين في الدعوة إلى الله لآمنوا بما أنزل وبمن أنزل عليه والتزموا. ولكنهم كاذبون في دعواهم ودعوتهم ولذلك فإنهم بعيدون عن البر لأن الصادق في الدعوة يوجه الدعوة إلى نفسه أولا ، وهؤلاء يوجهون الدعوة إلى