وبعد أن امرهم الله عزوجل ونهاهم ووبخهم دلهم على شىء إن يفعلوه سهل عليهم تنفيذ كل ما سبق قال تعالى :
(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ)
(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) على حوائجكم إلى الله ، وعلى البلايا والنوائب ، وعلى القيام بأمر الله كله ، وعلى ما يترتب من القيام بالأوامر السابقة من وفاء بالعهود والجهر بالحق والأمر بالبر والالتزام به ، وعلى إقامة ذلك أصلا استعينوا على ذلك كله بالجمع بين الصبر والصلاة. وفسر الصبر هنا بالصوم لقوله عليهالسلام «الصوم نصف الصبر». ولتسمية شهر رمضان بشهر الصبر. وفسر الصبر بالاسترجاع لقول الله تعالى (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ.) وفسرت الصلاة في الآية بالدعاء الذي هو المعنى اللغوي للصلاة ، وفسرت بالصلاة المعروفة ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. (وَإِنَّها) أي الصلاة على القول الراجح أو الاستعانة (لَكَبِيرَةٌ) أي ثقيلة شاقة. (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) الخشوع هو : الإخبات لله والتطامن ، أو هو الخوف والتواضع والخضوع الذي هو اللين والانقياد وقد عرفنا الله عزوجل من هو الخاشع بقوله :
(الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ.) والظن هنا : اليقين ، ولقاء الله : فسر بلقاء جزائه ، وفسر برؤيته ومعاينته بلا كيف ، وفسر الرجوع : بالعود إليه في الآخرة ، وفسر بعود الأمور كلها إلى مشيئته وحكمه. فالخاشع : هو من أيقن بلقاء الجزاء في الآخرة فهذا يعمل على حسب ذلك ، وأما من لم يوقن بالجزاء ، ولم يرج الثواب فإن التكليف عليه شاق ، والصلاة التي هي أولى العبادات تكون عليه مشقة خالصة.
قال ابن كثير : «والظاهر أن الآية وإن كانت خطابا في سياق إنذار بني إسرائيل فإنهم لم يقصدوا بها على سبيل التخصيص وإنما هي عامة لهم ولغيرهم» أقول : إنه ما من آية في القرآن إلا وهي موجهة للمؤمنين بشكل من الأشكال لأنهم هم المستفيدون وحدهم من كتاب الله. وعلى هذا فما مر وما يمر لا بد أن نعرف فيه هذه القاعدة كي نأخذ حظنا من كل آية ، فإذ يقص الله علينا شيئا حدث لبني إسرائيل فلكي نأخذ منه العبرة فنتجنب أو نستبشر أو نتعظ أو نعمل أو نتوقع أو نتعلم ، وهكذا الشأن في كل آية.