شاء من أمر. (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) قال الألوسي : أمرهم بالمخالقة والالتجاء إليه تعالى بالعبادة البدنية والمالية ؛ لأنها تدفع عنهم ما يكرهون (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ) أي من حسنة صلاة أو صدقة أو غيرهما (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) أي تجدوا ثوابه عنده (إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فلا يضيع عنده عمل عامل ، أمرهم بالعفو والصفح ، ثم حثهم على الاشتغال بما ينفعهم وتعود عليهم عاقبته يوم القيامة من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة حتى يأتي الله بالنصر. وأخبرهم تعالى أنه لا يغفل عن عمل عامل ولا يضيع لديه سواء كان خيرا أو شرا ، فإنه سيجازي كل عامل بعمله. قال ابن جرير في قوله تعالى (إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) : وهذا الكلام وإن كان خرج مخرج الخبر فإن فيه وعدا وأمرا وزجرا ، وذلك أنه أعلم القوم أنه بصير بجميع أعمالهم ليجدوا في طاعته إذ كان ذلك مذخورا لهم عنده حتى يثيبهم عليه.
وفي سبب نزول هاتين الآيتين يروي ابن إسحاق عن ابن عباس أنه قال : كان حيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشد اليهود للعرب حسدا ؛ إذ خصهم الله برسوله صلىاللهعليهوسلم وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام ما استطاعا ، فأنزل الله فيهما (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ...) أقول : والقاعدة عند المفسرين أن خصوص السبب لا يمنع عموم اللفظ. فالآية عامة وإن كان سبب نزولها ما ذكر.
فائدة : تظهر فائدة الخلاف في كون قوله تعالى (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) منسوخا بآيات القتال من مثل قوله تعالى في سورة التوبة (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ومن مثل قوله تعالى أيضا في سورة التوبة (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ.) أو أنها غير منسوخة على تفسير الأمر في قوله تعالى (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) بأنه مفرد (الأمور) تظهر فائدة الخلاف في عصرنا بشكل واضح ؛ حيث فقد الإسلام والمسلمون السلطان السياسي ، فهل هم في هذه الحالة مأمورون بالصفح والعفو أو لا؟ ذهب أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة والسدي بأن الآية منسوخة ، وعلى هذا فالصيغة الوحيدة للتعامل بيننا وبين أهل الكتاب هي القتال حتى يعطوا الجزية.
لكن يلاحظ أن ابن كثير عندما ذكر المعنى العام للآية قال :
(حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) من النصر والفتح وعلى هذا فالمراد بأمر الله هو الأمر