يفرضوا سلطانه ويعلوا كلمته بحيث يخاف غيرهم من سلطان الله بخوفهم منهم فإذا أراد أن يدخل مساجد الله لا يدخلها إلا وهو خاضع خائف. فكيف يصح أن يكون له السلطان عليها.
قال النسفي : «أي ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله إلا على حال التهيب وارتعاد الفرائص من المؤمنين أن يبطشوا بهم فضلا عن أن يستولوا عليها ويلوها ويمنعوا المؤمنين عنها». (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) أي للمانعين قتل ، وسبي للحربي ، وذلة بضرب الجزية للذمي (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) أي النار هذا التفسير النسفي لهذه الآية وهو يؤكد أن المانعين لمساجد الله يدخل فيهم اليهود والنصارى والمشركون وغيرهم ، أي من غير المسلمين. وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه ابتداءا من الربط الكامل في المعنى ما بين هذه الآيات والآية قبلها. فآية (وَمَنْ أَظْلَمُ ...) رد على اليهود والنصارى والذين لا يعلمون أنهم على شىء لأنهم جميعا ظالمون ، وتأكيد أن المسلمين وحدهم على شىء لأنهم لا يمنعون أحدا أن يذكر اسم الله في مسجد أو معبد. وهذه الآية آية (وَمَنْ أَظْلَمُ ..) من غوامض الآيات وخاصة في خاتمتها ولذلك فللمفسرين كلام كثير فيها واختلاف كثير :
اختلفوا في المراد بالمانعين فقال قوم اليهود ، وقال قوم النصارى ، وقال قوم المشركون وكل استدل بشىء. والذي أراه ـ ويظهر ذلك من خلال التاريخ والواقع ـ أن الجميع كذلك إذا كان لهم السلطان ولذلك فعلى المسلمين أن يكون لهم السلطان السياسي في هذا العالم ، لأنه ليس غير المسلمين مؤتمنين على حفظ حرمة أماكن العبادة لله في العالم.
واختلفوا في قوله تعالى (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) هل هو إخبار عن حال ، أو هو خبر بمعنى النهي ، أو هو وصف لما ينبغي أن يكون ، أو هو بشارة للمسلمين أن الحال سيكون كذلك ، وقد بسط ابن كثير هذه الأقوال وقدم القول بأنه خبر بمعنى النهي. وقدم النسفي القول بأنه وصف لما ينبغي أن يكون ، وجمعنا نحن بين القولين كما مر. ولمجرد توضيح القول الرابع ننقل عبارة ابن كثير فيه «وقيل إن هذا بشارة من الله للمسلمين أنه سيظهرهم على المسجد الحرام وعلى سائر المساجد وأنه يذل المشركين لهم حتى لا يدخل المسجد الحرام أحد إلا خائفا يخاف أن يؤخذ فيعاقب أو يقتل إن لم يسلم وقد أنجز الله هذا الوعد كما تقدم من منع المشركين من دخول المسجد الحرام».