فتكلموا بلغة واحدة (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أي قد أوضحنا الدلالات على صدق الرسل لقوم ينصفون فيوقنون أنها آيات يجب الاعتراف بها ، والإذعان لها ، والاكتفاء بها عن غيرها ، أو يوقنون بأن الله موجود ؛ فهؤلاء لا تخفى عليهم آيات الله التي تشهد لرسالة رسله عليهم الصلاة والسلام بما في ذلك رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم.
وهكذا أكملت هذه الآية صورة الاتجاهات الكبرى التي تواجه الدعوة الإسلامية أقوالا وأفعالا ، وجاء هذا كله في سياق النهي عن متابعة أهل الكفر في أدنى شىء ، وفي سياق الانحراف عن هدى الله ، ثم تأتي بعد ذلك آيتان تتوجهان بالخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ* وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ.)
المعنى :
(إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً) للمؤمنين بالثواب. (وَنَذِيراً) للكافرين بالعقاب (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) أي عن أصحاب النار أي لا نسألك عنهم ما لهم لم يؤمنوا بعد أن بلغت ، وبلغت جهدك في دعوتهم. في هذه الآية مجموعة قضايا ١ ـ أن هناك رسولا بالحق مهمته التبشير والإنذار هو محمد صلىاللهعليهوسلم ٢ ـ وأن الذي أرسله هو الله رب العالمين ٣ ـ وأن الثواب والعقاب على الله ، وأن الله لا يسأل رسوله عن كفر من كفر به ، بل سيتحمل كل كافر مسؤوليته عن نفسه أمام الله. ومجىء هذه الآية بعد المقولات والمواقف السابقة للكافرين فيها إشارة إلى أن هذا الكفر الذي عليه هؤلاء سيجعلهم من أهل الجحيم ، وأن على رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يبشر ، وأن ينذر ، وأنه لا عليه من هؤلاء. ثم قال تعالى لرسوله صلىاللهعليهوسلم.
(وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) هذا تقنيط من الله لرسوله صلىاللهعليهوسلم وللمؤمنين من رضى اليهود والنصارى عنهم ما داموا على الإسلام. (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) أي إن هدى الله الذي رضيه لعباده وهو الإسلام المنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم هو الهدى كله ليس وراءه هدى. وأن ما يدعون إليه ليس هدى بل هو هوى بدليل (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) أي أقوالهم التي هي أهواء وبدع ، وقد رأيت بعضها فيما مر (بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) أي من العلم بأن دين الله هو الإسلام أو من الدين المعلوم صحته بالبراهين الواضحة والحجج اللائحة. (ما لَكَ