فرغب إلى الله أن تكون الإمامة في بعض ذريته كذلك فأجيب لذلك ، لكنه أخبر بأنه سيكون من ذريته ظالمون ، وأنه لا ينالهم عهد الله ، ولا يكونون أئمة ؛ فلا يقتدى بهم.
وبعد الآية الأولى تأتي في الفقرة هذه الآية :
(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).
كلمة في سياق هذه الآية :
تأتي هذه الآية بعد إعطاء إبراهيم منصب الإمامة ، وبعد إعطائه الوعد بأن يكون من ذريته أئمة ، فترينا هذه الآية مظهرا من مظاهر إمامة إبراهيم وواحد من ذريته ، وترينا نموذجا على قيام إبراهيم وإسماعيل بما كلفا به ، وترينا كذلك أن البيت الذي سيكون قبلة للمسلمين ومحجا لهم إنما وجد بإرادة تشريفية من الله وبأمره ، كما ترينا الحكمة من بناء البيت ، وترينا أنه في الأصل بني للطواف والعكوف والسجود ، وترينا أن الأمر صدر لإبراهيم وإسماعيل بتطهيره ، ففي الآية تصحيح لمفاهيم أهل الكتاب والمشركين في شأن البيت ، وتأسيس للرد على اليهود في شأن القبلة ، وتأنيب لمن ينجس البيت بالشرك بعد أن بني في الأصل للتوحيد ، وفي ذلك تأنيب لمن روع المؤمنين وآذاهم وفتنهم ، حتى اضطروا أن يخرجوا من جواره ، وقد جعله الله مثابة للناس جميعا وأمنا ، وفي ذلك دروس لما يستقبل من الزمان.
(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) البيت : الكعبة ، والمثابة : المباءة والمرجع للحجاج والعمار يتفرقون عنه ثم يثوبون إليه ، والأمن هنا : مكان السلام. وقد فسر ابن عباس كون هذا البيت مثابة بقوله : «لا يقضون منه وطرا يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم ثم يعودون إليه» ، وقال غيره : «لا ينصرف عنه منصرف وهو يرى أنه قد قضى منه وطرا» ، وقال ابن زيد : «يثوبون إليه من البلدان كلها ويأتونه» ، وقال كثيرون من أئمة التفسير : إن المثابة : المجمع ، وعلى هذا القول يكون المعنى : أن الله عزوجل أراد أن يكون هذا البيت ملتقى للشعوب كلها ، وللأجناس كلها ، يجتمعون فيه ، فيتعارفون وينتفعون ، قائمين بأمر الله ، عابدين له موحدين معظمين شعائره ، وأما كون البيت أمنا فمن حيث : إن من دخله كان آمنا ، وقد كانوا في الجاهلية يتخطف