الناس من حولهم وهم آمنون ، واستدل الحنفية بهذه الآية على مذهبهم بأن الجاني إذا أوى الحرم فلا يتعرض له حتى يخرج ، لكنه يلجأ إلى الخروج بمقاطعته. وسنعقد لموضوع الأمن عند البيت وحدوده واتجاهات العلماء فصلا.
ذكر في هذا النص : شرف هذا البيت ، وما جعله موصوفا به شرعا وقدرا من كونه مجمعا للناس من كل أقطار العالم ، يعرف فيه بعضهم بعضا ، ويألف فيه بعضهم بعضا ، ويستمع فيه بعضهم إلى بعض ، وينفع فيه بعضهم بعضا ، وهو كذلك ، المكان الذي تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه ، ولا تقضي منه وطرا ولو ترددت إليه كل عام ؛ استجابة لدعوة إبراهيم عليهالسلام. (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) (سورة إبراهيم) كما وصفه تعالى بأنه جعله آمنا لمن دخله حتى الرجل في الجاهلية يلقى قاتل أخيه أو أبيه فلا يهيجه ، وقد فسر ابن عباس الأمن هنا بأن هذا البيت والقيام بحقه أمن لهذا العالم كله فلا يخرب ، قال ابن عباس : «لو لم يحج الناس هذا البيت لأطبق الله السماء على الأرض» قال ابن كثير : وما هذا الشرف إلا لشرف بانيه أولا وهو خليل الرحمن.
(وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) اختلف المفسرون في المراد بمقام إبراهيم ما هو : قال ابن عباس : «مقام إبراهيم الحرم كله ، مقام إبراهيم الحج كله». وقال سعيد بن جبير : «الحجر مقام إبراهيم فقد جعله الله رحمة ، فكان يقوم عليه ويناوله إسماعيل الحجارة» وقال السدي : «المقام الحجر الذي وضعته زوجة إسماعيل تحت قدم إبراهيم حتى غسلت رأسه» وهذا القول يلتقي مع الذي قبله في أن المراد بمقام إبراهيم هو الحجر الذي غاصت فيه قدما إبراهيم ، فكان آية ، وهو الحجر المعروف الآن ، والأدلة التي تعضد أن المراد بالمقام إنما هو الحجر الذي كان إبراهيم عليهالسلام يقوم عليه لبناء البيت كثيرة ، من جملتها ، أنه هو الذي عليه عمل الناس وفهمهم خلال العصور ، إذ يطبقون هذا الأمر بصلاتهم عند الحجر الذي عليه آثار قدمي إبراهيم ، ومنها ما ورد في الحديث الصحيح عن عمر : «قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ، فنزلت (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) ومنها ما في صحيح مسلم عن جابر قال : «استلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم نفذ إلى مقام إبراهيم فقرأ (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) فجعل المقام بينه وبين البيت فصلى ركعتين» ومنها ظاهر قوله تعالى : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ) وعلى هذا الاتجاه يكون المعنى : وقلنا اتخذوا من مقام إبراهيم موضع صلاة تصلون فيه.