وهل الحجر الآن في محله حيث تركه إبراهيم؟ يذكر ابن كثير : أن الذي وضعه محله الآن إنما هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أما قبل ذلك فقد كان ملصقا بجدار الكعبة ، فدل فعل عمر ، وصنيع الناس أن الحجر أيا كان من الكعبة ، فذلك مقام إبراهيم وعنده تكون الصلاة التي أمر الله بها في هذه الآية.
وفي فقه الحنفية «يجب على من طاف بالبيت أن يصلي ركعتين لكل طواف ، ويسن أن تكون هاتان الركعتان وراء مقام إبراهيم ، فإذا لم يتمكن الإنسان من الصلاة عند مقام إبراهيم صلى حيث أمكنه».
(وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) أي : أمرناهما أن يطهراه من الأوثان والخبائث والأنجاس كلها ، للدائرين حوله ، والمجاورين الذين عكفوا عنده ، أي : أقاموا لا يبرحونه ، أو المعتكفين والمصلين راكعين وساجدين. فالعهد هنا بمعنى الأمر ، وإنما عدي بإلى لأنه بمعنى : تقدمنا وأوحينا فتقدير الكلام : وتقدمنا بوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي من الشرك والريب ، وابنياه خالصا لله ، معقلا للطائفين والعاكفين والراكعين الساجدين. وقد فهم من ذلك أن الطواف والعكوف والركوع والسجود كلها مما يتعبد الله عزوجل به في الحرم ، وقد اختلف الفقهاء أيهما أفضل عند البيت الصلاة النافلة أو الطواف النافلة؟. قال مالك : الطواف به لأهل الأمصار أفضل وقال الجمهور : الصلاة أفضل مطلقا.
قال العلماء : وتطهير المساجد مأخوذ من هذه الآية الكريمة ومن قوله تعالى في سورة النور : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ...) ومن السنة من أحاديث كثيرة في الأمر بتطهيرها وتطييبها وغير ذلك من صيانتها من الأذى والنجاسات وما أشبه ذلك ، ولهذا قال عليهالسلام : «إنما بنيت المساجد لما بنيت له» ومن قوله تعالى (وَالْعاكِفِينَ) استدلوا على جواز النوم في المسجد : قال ثابت : قلنا لعبد الله ابن عبيد بن عمير : ما أراني إلا مكلم الأمير أن أمنع الذين ينامون في المسجد الحرام ، فإنهم يجنبون ويحدثون : قال : لا تفعل فإن ابن عمر سئل عنهم فقال هم العاكفون قال ابن كثير : «وقد ثبت في الصحيح أن ابن عمر كان ينام في مسجد الرسول صلىاللهعليهوسلم وهو عزب».
وهكذا رأينا في الآية ثلاث قضايا معطوفا بعضها على بعض ومرتبطا بعضها ببعض إذ