ومكنة البشر معك أن ينظموا مثله أو يزيدوا عليه أو يتصرفوا فيه؟ ذلك ما لن يكون ولا يمكن أن يكون ...
إذن فالقرآن الكريم ينطق نزوله منجما بأنه كلام الله وحده. وتلك حكمة جليلة الشأن تدل الخلق على الحق في مصدر القرآن (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) (سورة الفرقان) أه.
إن هذه الحكمة التي ذكرها المؤلف تتضح أبعادها بشكل أقوى وأكثر بيانا عندما يقرأ الإنسان تفسيرنا هذا ، ليجد من عجائب الصلة بين الآيات والسور ما لا يمكن أن يخطر ببال بشر ، بحيث يجد أنواعا من الوحدة الشاملة التي تضم معاني القرآن وآياته وسوره بما يحير الألباب ويدهش الأبصار والبصائر. ولا يستعجلن القارىء علينا وهو يرى هذا الكلام قبل أن يقرأ هذا التفسير. فإن وجد الأمر كما ذكرنا فليدع لنا بحسن الخاتمة وبالمغفرة. وإذا لم يجد ما نقلناه هنا فإني أسامحه في كل ما يقول.
ولقد سئلت أكثر من مرة من بعض من عرضت عليه وجهة نظري في فهمي للصلة بين الآيات والسور عن فائدة هذا الموضوع ، وكنت أجيبه بمثل ما ذكرته فيما مضى من هذه المقدمة ، في أن الإجابة على هذا الموضوع تخدم رد شبهة أن هذا القرآن لا يجمع آياته في السورة الواحدة جامع ولا يجمع بين سوره رابط ، وذلك لا يليق في كلام البشر فكيف بكلام رب العالمين ، إنها لشبهة فظيعة جدا أن يحاول محاول إشعار المسلم بأن كتاب الله ينزل عن كتب البشر في هذا الشأن. ولقد استطعت بتوفيق الله أن أبرهن على أن كمال القرآن في وحدة آياته في السورة الواحدة ، وكماله في الواحدة الجامعة التي تجمع ما بين سوره وآياته على طريقة لم يعرف لها العالم مثيلا ولا يمكن أن تخطر على قلب بشر. لقد استطعت خلال هذا أن أرد السهم إلى كبد راميه من أعداء الله في هذه النقطة بالذات.
على أن الإجابة على هذا الموضوع كما قلنا تخدم قضايا أخرى : منها قضية تأكيد إعجاز القرآن ، ومنها قضية دحض شبهة أن هناك افتراقا بين القرآن المكي والمدني ، ومنها أنها تخدم في معرفة بعض أسرار القرآن ، ومنها أنها تخدم قضية الفهم للكثير من المعاني التي يدل عليها السياق.
إن هذه النقطة التي هي في بعض جوانبها تميز هذا التفسير عن غيره لا تخدم فقط فيما ذكرناه ، بل تخدم في رؤية كثير من المعاني ، ومحل هذه المعاني في البرهان