الإنسان ، من خلال ما تمثله النفس في احتضانها لكل المدركات والمعقولات ، بكل مفاهيمها وإحساساتها. ولعل السرّ في عدوله عن كلمة (عليك) إلى كلمة قلبك ، للإيحاء بالجانب العقلي من شخصية النبيّ ، الذي هو الأساس في اختزان الإنسان للوحي في ما يريده الله منه من إدراك وتعقّل وإيمان.
وقد ذكر صاحب الميزان في تفسير ذلك وجها آخر فقال : «ولعلّ الوجه في قوله : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) دون أن يقول : عليك ، هو الإشارة إلى كيفيّة تلقّيه صلىاللهعليهوآلهوسلم القرآن النازل عليه ، وأن الذي كان يتلقّاه من الروح هو نفسه الشريفة من غير مشاركة الحواسّ الظاهرة التي هي الأدوات المستعملة في إدراك الأمور الجزئية.
فكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يرى ويسمع حينما كان يوحى إليه من غير أن يستعمل حاسّتي البصر والسمع ، كما روي أنه كان يأخذه شبه إغماء يسمّى برحاء الوحي.
فكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يرى الشخص ويسمع الصوت مثل ما نرى الشخص ونسمع الصوت ، غير أنه ما كان يستخدم حاسّتي بصره وسمعه الماديتين في ذلك كما نستخدمهما. ولو كان رؤيته وسمعه بالبصر والسمع الماديين ، لكان ما يجده مشتركا بينه وبين غيره ، فكان سائر الناس يرون ما يراه ويسمعون ما يسمعه. والنقل القطعي يكذّب ذلك ، فكثيرا ما كان يأخذه برحاء الوحي وهو بين الناس فيوحى إليه ، ومن حوله لا يشعرون بشيء ولا يشاهدون شخصا يكلمه ولا كلاما يلقى إليه» (١).
وهذا معنى طريف في ذاته ، ولكنه غير ظاهر من سياق الكلام ، بل كل ما هناك أن الآية تشير إلى أن الله قد أنزله عليه ليعي كل مفاهيمه وليلقيه للناس من خلال عمق الوعي الشامل في شخصيته ، ليكون القرآن في شخصيته عقلا يعي
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٥ ، ص : ٣١٧ ـ ٣١٨.