وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) [فصلت : ٤٤].
وقال بعض المفسرين ـ كما نقله صاحب الميزان ـ : «إن المعنى : ولو نزلناه قرآنا عربيا كما هو بنظمه الرائق المعجز ، على بعض الأعجمين الذين لا يقدرون على التكلم بالعربية ، فقرأه عليهم قراءة صحيحة خارقة للعادات ، ما كانوا به مؤمنين مع انضمام إعجاز القراءة إلى إعجاز المقروء لفرط عنادهم وشدة شكيمتهم في المكابرة» (١). ويرد عليه أنه لا شاهد له من السياق ، ولا من ظاهر اللفظ ، بينما يملك الوجه الأول أكثر من شاهد.
(كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) الذين أغلقوا وجدانهم عن الانفتاح على الحق النازل من الله ، فكان من نتيجة ذلك أن دخلها الشك والريب ، فتحركت بالأفكار السلبية الرافضة للإيمان في مواقع الحقيقة ، فلم يقبلوا عليها بالفكر والتأمّل والعمق في الملاحظة. وهكذا ترتبط المسألة بطبيعة الأشياء ، فلن يتحرك الريب إلا في ما تحتويه الأرض الصالحة من بذور خبيثة ، كما لا يتحرك الإيمان إلا في ما تحتويه الأرض الطيبة من بذور طيبة. أمّا نسبة الفعل إلى الله ، فقد يكون ناشئا من الترابط الذي أودعه الله في الناس في علاقة المسببات بأسبابها.
فإذا كانت القضية تتحرك في هذا الاتجاه السلبي ، فقد يكون من الطبيعي أنهم (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) ويصرّون على رفض الإيمان من دون أن يتراجعوا عن ذلك ، إلى أن يأتيهم الموت ويواجهوا هناك الموقف الحاسم في الحاكم العادل في رحلة النتائج السلبية على مستوى مصيرهم ، كرد فعل للنتائج السلبية في قضية إيمانهم ، (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ* فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) لأنهم كانوا في غفلة مطبقة لا تفسح لهم المجال للاستعداد للموقف ، والتراجع عن الخطأ ، تماما ، ككل هؤلاء الذين يركبون رؤوسهم من دون انفتاح على الجانب
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٥ ، ص : ٣٢٢.