(فَمَكَثَ) الهدهد (غَيْرَ بَعِيدٍ) من الزمان ، فلم يمض وقت طويل على غيابه (فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) من معلومات عن بعض مواقع السلطة التي قد تحتاج إلى اتخاذ موقف حازم منها من حيث الدعوة إلى الإيمان بالله ، والسيطرة عليها ، في ما تمثله من مركز قوّة ضد سلطة الحق (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) فقد ذهبت إلى اليمن ودخلت إلى عاصمتها سبأ واطلعت على طبيعة الناس فيها ونوعية الحكم المسيطر عليها ، وجئتك بالخبر المفصل الواضح الذي يرتكز على اليقين.
(إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) من لوازم السلطة التي تركز موقع القوّة الكبير لها في حياة الناس بحيث تستطيع أن تفرض إرادتها عليهم بجميع الوسائل الضاغطة في أكثر من صعيد ، (وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) في ما تمثله الكلمة من معنى السيطرة والعلوّ في القوة والدرجة ، بحيث تطلّ على الساحة من أعلى مواقعها.
(وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ) فهم من الوثنيين الذين يعبدون الشمس ولا يعبدون الله (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) فقد استغرقوا في الإحساس بعظمة هذا الكوكب العظيم ، بحيث خيّل إليهم أنه الإله ، وغفلوا عن التفكير العميق بأنه مخلوق لله ، وخاضع لإرادته ، من خلال ما جعله الله له من نظام دقيق في حركته وخط سيره ، وابتعدوا عن الانفتاح على الله ، بقدرته المطلقة المتمثلة بجميع خلقه ، في ما يدل عليه وجودهم وقدرتهم بأنهم مربوبون لرب عظيم ، فهو الغني عنهم بذاته ، وهم المحتاجون إليه بطبيعة وجودهم.
وهكذا قادهم الشيطان إلى الشعور بأنهم على حق ، وأن أعمالهم ـ كلها ـ صواب ، فحجب عنهم الرؤية الواضحة للأشياء (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) المستقيم ، لأن السير عليه يفرض الالتفات إليه ، والمعرفة لبدايته ونهايته ، كما