الملكة تحاور قومها فيتركون لها حرية التصرف
(قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) قالوا ذلك وهم يشعرون بكل عوامل القلق والحيرة التي تأكل قلبها وتثير خوفها ، لأن الكتاب غير عاديّ في لهجته وتطلّعاته ، فهو يعني فقدان الاستقلال في الملك ، والخضوع لملك آخر ، وهو يوحي بالموقف المجهول في طبيعته ونتائجه ، لأنها لا تعرف ماذا يحدث لها إذا سلّمت ، إذ لا تعرف ما الذي يريده سليمان منها ، وما الذي سيفعله بها وبقومها ، وماذا يحدث لها إذا قاومت ، لأنها لا تعرف مدى قوّة سليمان أو أنها تعرف خطورة هذه القوة ، في ما كانت تسمعه عنه قبل ورود الكتاب عليها. ولذلك كان موقفهم هو الإيحاء بأنهم يملكون القوّة العددية والعسكرية التي يستطيعون من خلالها ردّ التحدي ، كما يملكون الشجاعة التي يمكنهم ـ من خلالها ـ الانتصار في الحرب ، ولكن في النهاية (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ) فأنت صاحبة القرار الأول والأخير ، لأنك الملكة القادرة التي تملك الأمر كله ، (فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) في مواجهة الموقف الجديد الغريب ، ونحن مطيعون ذلك في كل ما تأمرين به.
(قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) فلا بدّ من دراسة المسألة بعمق وروية واتزان ، لأن الحسابات دقيقة في مثل هذه الأمور ، لنعرف ماذا وراء هذا الكتاب وهذه اللهجة ، فهل هو ملك أو داعية حق؟ لأنه إذا كان ملكا يملك القوة الكبيرة المدمّرة ويحمل ذهنية الملوك الذين يعملون على إخضاع الناس لسلطتهم بالقوّة وإذلالهم وتدمير البلاد وإفساد نظامها وتوازنها ، تكون القضية في مستوى الخطورة التي لا بد من أن توضع لها الحسابات الدقيقة. أمّا إذا كان داعية حق ، فإن الأمر يختلف ، لأننا لن نحتاج إلى القوة ، بل إلى الحوار ، ولذلك فإن الرأي هو أن