نختبر الأمر ، فلا نواجه التهديد بتهديد مماثل ، بل نواجهه بهدية كريمة لنعرف ردّ الفعل ، هل هو كلمة طيبة أو قاسية؟ وهل هم في مستوى خطورة كلمتهم أو أنهم أقلّ من ذلك؟ (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) حتى أحدد موقفي تبعا لذلك بالسلم أو بالحرب ، لأعرف من خلال ذلك طبيعته ، فهل هو من الأشخاص الذين يمكن استمالتهم بالمصانعة وبتقديم الهدايا الغالية الثمينة ، أو هو من الأشخاص الذين يرفضون ذلك ، لأنهم أصحاب رسالة لا يخضعون للإغراء ، ولا يسقطون أمام المال؟
* * *
سليمان يردّ ويتحدى
(فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) وهكذا أراد أن يوحي إليها وإليهم أن المسألة ليست مسألة مال يفتح القلوب على اللقاء ، لأن الذين ينفتحون على الهدايا لتغيير مواقفهم ، هم الذين يشعرون بالحاجة إلى المال في ما يواجهونه من فقر أو حرمان ويحسّون بالضعف أمام ذلك ، أمّا هو ، فقد أعطاه الله ملكا لم يعطه لأحد مثله ، مما يصغر كل ملك أو مال معه ، بخلافهم ـ هم ـ الذين يفرحون بالهدايا التي يرسلونها ، لأنهم يرون لها شأنا كبيرا في مستوى مواقعهم المتواضعة ، فليست المسألة كذلك ، بل هي مسألة سلطة تريد أن تبسط ظلها على الأرض من حولها من خلال امتداد دعوتها إلى الحق في توحيد الله وعبادته والطاعة لأمره ونهيه. وهكذا كان الجواب الحاسم الذي يضع القضية في نصابها الصحيح.
(ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) إن إرسال الهدية يعني المماطلة وعدم قبول الدعوة إلى الطاعة والاستسلام ، ولذلك فإن الموقف هو تنفيذ التهديد ، ليعرفوا بأن هناك قوّة عليها لا يستطيعون