(قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ) فهو الذي أنزل عليكم البلاء في ما اخترتموه لأنفسكم من أسبابه ، وذلك هو سرّ ما يصيب الناس من الشرور والمشاكل انطلاقا مما يقومون به من أعمال شرّيرة تستتبع ذلك. فليست القضية قضية أشخاص يجلبون البلاء إلى المجتمع ، كما هو الطير الذي يجلب الشؤم إلى الناس ، مما يعتقده البعض من ذلك ، بل القضية هي قضية أعمال تؤدي إلى ذلك ، مما جعله الله من علاقة تكوينية أو جزائية بين الأشياء وأسبابها.
(بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) بما تثيره الرسالة من قضايا يختلف الناس عليها ، ليتخذ كل فريق منهم موقفا منها ، فيكون ذلك فتنة لهم واختبارا ، في ما يأخذون به من الحجة التي يقدمها الأنبياء على الإيمان أو يرفضونه منها ، ليتبين المعاند والمنقاد منهم ، ويتميز المؤمن من الكافر. وهكذا كان النبي صالح يستهدف من حديثه هذا معهم ، أن يرجعهم إلى أنفسهم ، ليتخلصوا من الأوهام المريضة التي تفسر لهم القضايا بطريقة غير صحيحة ، فتبعدهم عن حقائق الحياة وخط المسؤولية.
(وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) كانوا يخططون لإبقاء المجتمع تحت سلطة الكفر ، في أجواء الشرّ التي تفسد الواقع بالامتيازات الظالمة التي يحصل عليها المستكبرون على حساب المستضعفين ، وبالانحراف الفكري عن خطاب الإيمان الذي يوحّد للناس حياتهم على أساس الارتباط بالله وحده ، ليكون الارتباط بكل شيء في الحياة من خلاله. وهكذا كان هؤلاء يشعرون بخطورة الرسالة الجديدة على مواقعهم ومخططاتهم ، ويخافون أن يكون الموقع المميز المستقبلي لصالح وللمؤمنين معه ، على حساب مواقعهم الخاصة ، فيتغيّر الواقع من حولهم لمصلحة الرسالة ، وتختلف المفاهيم في مسائل التقييم للأوضاع وللأشخاص ، فبدأوا يخططون لمواجهة هذا الخطر الجديد عليهم ويتآمرون على صالح ومن معه.