ترك الطّاعة كما يظنّ ، فلا ضير ان يكون أمير المؤمنين (ع) حال سلوكه وقع في تلك النّشأة وحرّم على نفسه كلّما يشغله عن الخدمة لكمال الاهتمام بالطّاعة ، ولمّا لم يكن تحصيل الكمال التامّ الّا بالجمع بين النّشأتين أسقاه محمّد (ص) من شراب السّلوك الكافورىّ وردّه الى نشأة السّلوك لانّه كان مكمّلا مربّيا له ولغيره ولذا قالوا : لا بدّ ان يكون للسّالك شيخ والّا فيوشك ان يقع في الورطات المهلكة ، ولا منقصة في أمثال هذه المعاتبات على الأحباب بل فيها من اللّطف والتّرغيب في الخدمة ما لا يخفى ، وعلىّ (ع) كان عالما بانّ الكمال لا يحصل الّا بالنّشأتين لكنّه يرى حين الجذب انّ كلّما يشغله عن الخدمة فهو مكروه المحبوب ومرجوح عنده فحلف على ترك المرجوح ، أو يقال : انّ عليّا (ع) لمّا كان شريكا للرّسول (ص) في تكميل السّلّاك لقوله : أنت منّى بمنزلة هارون من موسى (ع) ، وكان له شأن الدّلالة ولمحمّد (ص) شأن الإرشاد ، والمرشد بنشأته النّبويّة شأنه تكميل السّالك بحسب نشأة السّلوك وان كان بنشأته الولويّة وشأن الإرشاد شأنه التّكميل بحسب الجذب ، والدّليل بنشأته الولويّة شأنه التّكميل بحسب نشأة الجذب وان كان بنشأته النّبويّة ، وشأن الدّلالة شأن التّكميل بحسب السّلوك فالدّليل بولايته يقرّب السّالك الى الحضور ويعلّمه آداب الحضور وطريق العبوديّة من عدم الالتفات الى ما سوى المعبود وطرح جميع العوائق من طريقه ، والمرشد بنبوّته يبعّده عن الحضور ويقرّبه الى السّلوك ويرغّبه فيه فهما في فعلهما كالنّشأتين متضادّان متوافقان ، فأمير المؤمنين (ع) لمّا رأى بلال وعثمان مستعدّين لنشأة الجذب رغّبهما الى تلك كالنّشأة بطرح المستلذّات وترك المألوفات وشاركهما في ذلك ليستكمل بذلك شوقهما ويتمّ جذبهما ، ولمّا مضى مدّة ورأى الرّسول (ص) انّ عودهما الى السّلوك أوفق وأنفع لهما ردّهما الى نشأة السّلوك وعاتبهما بألطف عتاب ، ولا يرد نقص على أمير المؤمنين (ع) ، ولمّا قالوا بعد عتابه (ص) قد حلفنا نزل (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) وهو الّذى يؤتى به للتّأكيد في الكلام كما هو عادة العوامّ (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) ما مصدرية وهو الموافق لقوله باللّغو في ايمانكم أو موصولة والمعنى بالّذى عقّدتم الايمان عليه من الأمور المحلوف عليها من حيث الحلف عليها إذا حنثتم حذف لانّه معلوم ولكن جعل الله لكم لرفع المؤاخذة كفّارة يسيرة ترحّما عليكم (فَكَفَّارَتُهُ) اى ما يستر إثمه أو يزيله (إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) فاذا اطعمتم عشرة من المساكين الّذين هم عيالي جبرتم نقصان تعظيم اسمى واستحققتم رحمتي (أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) بان لا يملك طعاما وكسوة ورقبة ولا ثمنا لها (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) لانّ الله يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر (ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) وحنثتم (وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) بعدم بذلها لكلّ امر بتعظيم اسم الله وبعدم الحنث إذا بذلتموها وبالكفّارة إذا حنثتم (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) اى آيات حدوده وشرائعه (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعمة التّعليم والتّسهيل ، اعلم انّ اليمين امّا من المؤكّدات في الكلام وهي المسمّاة باللّغو وامّا مع قصد ونيّة لليمين فهي امّا على ترك برّ أو فعل شرّ ، وهي أيضا لغو لكفّارتها فعل البرّ وترك الشرّ ، أو على فعل برّ وترك شرّ وهي عزم يحفظ على متعلّقها ، وإذا حنثت يكفّر عنها بما ذكر ، وامّا يمين غموس وهي الّتى تقع على منع حقّ امرء مسلم أو أخذ حقّه بغير حقّ وهي الّتى توجب النّار ، وامّا اليمين على دفع الادّعاء الباطل أو احقاق الحقّ فهي مشروعة لقطع الخصومات لكن كراهتها والاهتمام بعدم الإتيان بها تستنبط من الاخبار (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا