أسقط العمل الصّالح ولم يذكره ثمّ اتّقوا من رؤية ذواتهم وهذا هو الفناء التامّ والفناء الذّاتيّ ، وفي هذا المقام لا يكون لهم ذات بعد التّقوى حتّى يتصوّر لهم ايمان أو عمل ، والسّالك في هذا السّفر لا نهاية لسيره ولا تعيّن لوجوده ولا نفسيّة له ويظهر منه الشّطحيّات الّتى لا تصحّ من غيره كما تظهر منه في المقام السّابق أيضا وكما لا يرى السّالك في هذا المقام لنفسه عينا ولا أثرا لا يرى لغيره أيضا عينا ولا أثرا ، ومن هذا المقام ومن سابقه نشأت الوحدة الممنوعة وما يترتّب عليها من العقائد الباطلة والأعمال الكاسدة فان أدركته العناية وأفاق من فنائه وصار باقيا ببقاء الله صار محسنا بحسب الّذات والصّفات والأفعال ، ولذلك قال تعالى بعد ذكر التّقوى وأحسنوا وأسقط الايمان والعمل جميعا ، لانّه بعد فنائه الذّاتىّ وبقائه بالله صار ذاته وصفته وفعله حسنا وإحسانا حقيقيّا ، وامّا قبل ذلك فانّه لا يخلو من شوب سوئة واسائة بقدر بقاء نسبة الوجود الى نفسه قبل فنائه ، وأيضا قبل الفناء بقدر نسبة الوجود الى نفسه يكون مبغوضا لا محبوبا على الإطلاق وبعد الفناء وقبل البقاء بالله لا موضوع له حتّى يحكم عليه بالمحبوبيّة والمبغوضيّة ، وبعد البقاء بالله يصير محبوبا على الإطلاق ولذلك قال : والله يحبّ المحسنين ، في آخر الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بقبول الدّعوة الظّاهرة اى أسلموا (لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ) يعنى في إحرامكم قيل : نزلت في غزوة الحديبية جمع الله عليهم الصّيد ، وعن الصّادق (ع) حشر عليهم الصّيد في كلّ مكان حتّى دنا منهم (لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ) بترك الصّيد مع سهولته بمحض النّهى (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ) الابتلاء والنّهى (فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) عن الصّادق (ع) إذا أحرمت فاتّق قتل الدّوابّ كلّها الّا الأفعى والعقرب والفأرة ، وذكر الوجه لكلّ وتفصيل ذلك موكول الى الفقه ، والحرم جمع الحرام بمعنى المحرم أو جمع الحرم بكسر الحاء وسكون الرّاء أو جمع الحريم بمعنى المحرم بالحجّ أو العمرة وبمعنى الدّاخل في الحرم وكلا الوجهين صحيح لفظا ومعنى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) في اخبار كثيرة انّ المراد ذو عدل وهو العدل الالهىّ من الرّسول (ص) والامام وتثنية ذوا عدل خطأ من الكتّاب ولفظ الكتاب ذو عدل بدون الالف ، ولمّا لم يرخّص في الشّريعة الالهيّة لشيء من القياس كان هذه الكلمة ذا عدل بالافراد وكان ذا عدل مختصّا بالحاكم الالهىّ حتّى يسدّ باب القياس بالكلّيّة ، وان لم يكن كذلك جاز لمجوّز القياس التّمسّك به في جواز قياسه (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) كيفيّة بلوغه الكعبة موكولة الى الفقه (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) كما فصّل في الفقه (لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ) وثقل هتكه لحرمة الحرم (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ) على زمان الحكم بحرمة قتل الصّيد (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) عن الصّادق (ع) في محرم أصاب صيدا؟ ـ قال : عليه الكفّارة ، قيل فان أصاب آخر؟ ـ قال : فان أصاب آخر فليس عليه كفّارة وهو ممّن قال الله تعالى: (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ) ، وفي معناه اخبار أخر ، وعنه إذا أصاب المحرم الصّيد خطأ فعليه الكفّارة فان أصاب ثانية خطأ فعليه الكفّارة أبدا إذا كان خطأ ، فان اصابه متعمّدا كان عليه الكفّارة ، فان اصابه ثانية متعمّدا فهو ممّن ينتقم الله منه ولم يكن عليه الكفّارة ، وعلى هذا فمعنى عفا الله عمّا سلف عفا عن الدّفعة الاولى السّابقة على الثّانية (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ) مطلقا حال الإحرام وغيره والضّمير في طعامه للصّيد أو للبحر (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)