خبر بعد خبر وأسقط العاطف هاهنا وفي قوله فالق الإصباح وأتى به في قسيم كلّ وكذا في قوله والنّوى للاشارة الى انّ كلّا مع قسيمه كاف في الدّلالة على كمال قدرته وعلمه وحكمته وتدبيره لعباده ، لانّ كلّا من قوله يخرج الحىّ وفالق الإصباح كأنّه كلام مستأنف غير مربوط بسابقه والمراد بالحىّ النّامى من النّبات والحيوان أو ذو الحسّ والحركة من الحيوان وبالميّت غيره ، أو المراد به المسلم والمؤمن والعالم ومقابلوهم ، والعدول عن الاسم الى الفعل المضارع للاشارة الى قلّة الحىّ كأنّه قلّما يحصل إخراجه من الميّت بخلاف الميّت فانّه بكثرته كأنّه مستمرّ إخراجه (وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ) أتى باسم الاشارة البعيدة للاشارة الى عظمة من كان هذه صفته (اللهَ) اى المستحقّ للالهيّة لا ما تجعلونه إلها (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) تصرفون وجملة ذلكم الله معترضة ان كان قوله (فالِقُ الْإِصْباحِ) خبرا بعد خبر لانّ ، أو مستأنفة ان كان مستأنفا ، أو خبرا بعد خبر لذلكم (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) وقت راحة من سكن اليه إذا انس به واطمأنّ أو وقت سكون عن الحركة وقرئ جاعل اللّيل وعلى قراءة جعل فالاختلاف بالاسم والفعل ، كأنّه للاشارة الى انّ اقتضاء اللّيل السّكون امر ذاتىّ له لا عرضىّ محتاج الى تجديد الجعل بتجدّد اللّيل ، بل جعله سكنا لازم لخلقته اوّلا بخلاف فلق الإصباح ، واللّيل اعمّ من ليل اليوم وليل عالم الطّبع وليل عالم الجنّة وليل صروف الدّهر من القحط والزّلازل وكثرة القتل والنّهب وكثرة الأمراض وغيرها ، وكلّ مرتبة من مراتب العالم الكبير أو الصّغير جهتها الدّانية ليل بالنّسبة الى جهتها العالية ، هذا في العالم الكبير وليل الطّبع والنّفس والجهل والشّهوات والأمراض والبلايا والأحزان في الصّغير (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً) سببى حسبان للأوقات لتجاراتكم وزراعاتكم وديونكم ومواعيدكم وقد يعبّر عن الولاية والنّبوّة وعن الولىّ والنّبىّ بالشّمس والقمر ، والحسبان حينئذ يكون بمعنى المحاسب أو ميزان الحساب فانّهما شاهدان ومحاسبان على الجليل والقليل وهما اللّذان يعبّر عنهما الصّوفيّة بالشّيخ المرشد والشّيخ الدّليل فانّهما في اصطلاحهم اعمّ من الولىّ والنّبىّ وخلفائهما والنّبوّة كالقمر تكسب النّور من الولاية كالدّليل من المرشد وقد يعبّر بهما عن العقل الكلّىّ والنّفس الكلّيّة وقد يعبّر عن العقل الجزوىّ والنّفس الجزويّة أو العقل الجزوىّ والقلب أو آدم وحوّاء ، كلّ ذلك في العالم الصّغير وعلى كلّ التّقادير ، فالحسبان بمعنى المحاسب أو ميزان الحساب (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) لمّا كان المراد من هذه المقدّمات تصوير تدبيره لمعاش الخلق بحيث لم يشذّ شيء ممّا يحتاجون اليه في المعاش حتّى يكون برهانا قاطعا على عدم إهمالهم فيما يحتاجون اليه في امر المعاد المشار اليه بقوله (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها) وأحضره باسم الاشارة وصرّح بأنّه تقديره ليكون كالمشاهد للسّامع فيصير قوله (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) غنيّا عن الحجّة ، والنّجوم ان كانت اعمّ من الشّمس والقمر فذكرهما هناك لشأن الحسبان وهاهنا لشأن الاهتداء بهما ، والنّجوم في عالم الكون معلوم وفي الصّغير القوى والمدارك الجزئيّة والواردات الغيبيّة والإلهامات القلبيّة والاذكار السنيّة وفي الكبير الائمّة (ع) وخلفاؤهم والمراد بالظّلمات الظّلمات الصّوريّة والمعنويّة من ظلمات النّفس وشبهاتها وزّلاتها وضلالاتها وقد فسّرت النّجوم بآل محمّد (ص) (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ) آيات علمنا وقدرتنا وتدبيرنا للأشياء على طبق حكمتنا بنصب رئيس في كلّ من مراتب العالم الكبير والصّغير في الكتاب التّدوينىّ والتّكوينىّ الآفاقىّ والانفسى ، ليدلّ على وجوب رئيس منّا في أشرف أجزاء العالم الكبير