وهو الإنسان وليس تفصيلنا للآيات لكلّ ذي شعور بل للإنسان ولا لكلّ فرقة منهم بل (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فانّ غيرهم لا ينجع فيه تفصيل الآيات (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ)، والعلم قد يطلق بمعنى مطلق الإدراك تصوّرا كان أو تصديقا ، وقد يطلق بمعنى العرفان وهو التّصوّر الجزئىّ وقد يطلق بمعنى ادراك النّسبة وهما كان أو شكّا أو ظنّا أو علما عاديّا أو تقليديّا أو يقينا تحقيقيّا ، وقد يطلق على الاعتقاد الرّاجح ظنّا كان أو علما عاديّا ، أو تقليدا ، أو يقينا ، وقد يطلق على ما يقابل الظّنّ من هذه الثّلاثة وهذه ليست بمرادة وهو واضح ، وقد يطلق على اليقين واليقين ان كان متعلّقا بالأمور المعاشيّة من غير توجّه وارتباط بالآخرة كما قال تعالى ، (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ ،) فليس تفصيل الآيات لهذا العالم لانّه لغفلته لا يدرك ذا الآية من الآيات بل ينفى عنه العلم وان كان متعلّقا بالأمور الاخرويّة من العقائد العقليّة والأعمال القلبيّة والأخلاق النّفسيّة والعبادات القالبيّة والأعمال المعاشيّة المؤدّية الى إصلاح المعاد فامّا ان لا يقارن العمل ولا يستخدم الخيال بل يستخدمه الخيال في مآربه الكاسدة ومقاصده الفاسدة ويجعل آلة الدّين شركاء للدّنيا سواء قارن صورة العمل كما في المتعبّدين المرائين أو لا ، كما في المتهتّكين الّذين لا يبالون بما عملوا ولا بما قيل فيهم أو قالوا ، فهذا لا يسمّى أيضا علما عند أهل الله لما فيه من عدم الاشتداد بل من عدم التّوجّه الى المعلوم ، الا ترى الى قوله تعالى (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) كيف اثبت لهم هذا العلم ثمّ نفاه عنهم لمّا لم يعملوا بمقتضاه ، وامّا ان يقارن العمل فيما له تعلّق بالعمل ويقارن الاشتداد فيه وفيما لا تعلّق له بالعمل بان يستخدم الخيال ويستتبع المدارك والقوى ثمّ الأعضاء في مآربة العقليّة ، ويترقّى القوى والأعضاء من حضيض التأبّى الى أوج الانقياد والتّسليم والعقل من مقام حصول صورة المعلوم عنده الى مقام حضوره ، فانّ العلم يقتضي العمل فاذا قارن مقتضاه اشتدّ ولم يقف حتّى يتحقّق العالم بالمعلوم ويتّحد العلم والعالم والمعلوم ، فهذا العالم هو الّذى يرى قدرة الله وعلمه وحكمته في كلّ مقدور ولذا جعل تفصيل الآيات من فلق الحبّ الى جعل النّجوم سببا للهداية لهذا العالم ، وقد مضى تحقيق العلم ومراتبه في سورة البقرة عند قوله تعالى (لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) نفس آدم (ع) بحسب الجسم أو نفس النّبىّ (ص) بحسب الإسلام أو نفس الولىّ (ع) بحسب الايمان أو نفس الكلّ أو ربّ النّوع بحسب الحيوة الحيوانيّة وبحسب الحيوة الانسانيّة (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) هذه الكلمة مجملة متشابهة من حيث اللّفظ والمعنى والاعراب ، قرئ مستقرّ بفتح القاف اسم مفعول من استقرّه إذا وجده قارّا ساكنا ، أو من استقرّ إذا قرّ وسكن بمعنى مستقرّ فيه ، أو اسم مكان أو مصدرا ميميّا وهكذا الحال في المستودع ، وقرئ بكسر القاف اسم فاعل من استقرّ بمعنى قرّ والمعنى هو الّذى انشأكم فمنكم قارّ ومنكم غير قارّ ، أو محلّ قرار ومحلّ عدم قرار ، أو لكم استقرار وعدم استقرار ، أو محلّ قرار وعدم قرار ، أو فيكم استقرار وعدم استقرار أو محلّ قرار وعدم قرار أو قارّ وغير قارّ ، والأصلاب والأرحام والأبدان والدّنيا والبرازخ بوجه محلّ قرار وبوجه محلّ عدم قرار للنّطف والنّفوس والأبدان ، وبعد القيامة محلّ قرار على الإطلاق ، والأبدان والنّفوس والصّدور والقلوب محلّ قرار للحيوة الحيوانيّة والانسانيّة والإسلام والايمان والعلوم بوجه ، ومحلّ عدم قرار بوجه (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) ولمّا كان الاستدلال بالانشاء من نفس والاستقرار والاستيداع على تدبيره وحكمته محتاجا الى استعمال نوع فطنة فوق العلم ذكر الفقه معه (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ