مِنَ السَّماءِ) سماء الطّبع وسماء الأرواح والنّبوّة والولاية (ماءً فَأَخْرَجْنا) التفات اشعارا بانّ نزول الماء من السّماء كأنّه يكفيه الأسباب الطّبيعيّة ولا حاجة له الى مباشر قريب سواها بخلاف إخراج النّبات الأخضر الطّرىّ من الحبّ الجماد اليابس فانّ له مباشرا قريبا مدبّرا حكيما قديرا الهيّا سوى الأسباب الطّبيعيّة (بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) من أنواع النّبات أو نموّ كلّ شيء من أنواع الحيوان بمعنى سبب نموّه أو نباتا مناسبا لكلّ نوع من أنواع الحيوان ولرفع كلّ حاجة من أنواع الحاجات (فَأَخْرَجْنا مِنْهُ) اى من النّبات ورقا وغصنا (خَضِراً) وصف مثل أخضر أو من أجل الماء زرعا ونباتا خضرا وعلى هذا يكون من عطف التّفصيل على الإجمال (نُخْرِجُ مِنْهُ) اى من النّبات أو من الخضر أو من أجل الماء (حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ) خبر مقدّم (مِنْ طَلْعِها) بدل أو من الّنخل عطف على نبات كلّ شيء بإقامة من التّبعيضيّة مقام الاسم أو عطف على منه ومن طلعها خبر مقدّم والجملة حال أو مستأنفة (قِنْوانٌ) أعذاق جمع قنو كصنوان جمع صنو (دانِيَةٌ) قريبة التّناول (وَ) أخرجنا به أو منه أو نخرج منه (جَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً) في الشّكل والطّعم واللّون (وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ) اى ثمر كلّ واحد (إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ) اى نضجه حتّى تعلموا انّ لها مدبّرا حكيما قديرا وانّ حالكم حالها (إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) بالايمان العامّ أو الخاصّ فانّ الايمان بوحدته كاف في الاستدلال بالمذكورات وان لم يكن علم وفقه (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) بدل من شركاء أو مفعول اوّل ولله حال من شركاء وذلك لانّ بعضهم يجعلون إبليس ذا الهة ، وبعضهم قائلون بالظّلمة كناية عن دار الجنّة والشّياطين ، وبعضهم يعبدون الأرواح الخبيثة الّتى هي الجنّة والشّياطين زعما منهم انّ تلك الأرواح هي الأرواح الّتى كانت واسطة بين الله وبين الخلق وجميع المشركين سواء صرّحوا بانّ معبوديهم الشّياطين والجنّة أو لم يصرّحوا بل عبدوا الشّجر والصّنم والكوكب وغيرها لا يعبدون الّا الجنّ في عبادتهم المعبودات الباطلة كما قال تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) والسّرّ في ذلك انّ الجنّ من اتباع إبليس تزيّن لهم المعبودات الباطلة فيطيعونهم في ذلك فيعبدون الجنّ من حيث لا يشعرون (وَخَلَقَهُمْ) جملة حاليّة بتقدير قد أو لا حاجة لها الى قد لو ورد الماضي حالا كثيرا وفصيحا بدون قد يعنى خلق الله الجنّ والمخلوق لا يكون معبودا كالخالق ، ويحتمل إرجاع الضّمير الى الجاعلين يعنى والخالق لهم لا يكون كغير الخالق لهم (وَخَرَقُوا لَهُ) جعلوا لله من عند أنفسهم من غير حقيقة وبرهان (بَنِينَ وَبَناتٍ) فقالوا نحن أبناء الله والمسيح ابن الله وعزيرٌ ابن الله والملئكة بنات الله وجعلوا بينه وبين الجنّة نسبا (بِغَيْرِ عِلْمٍ) منهم بذلك (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خالقهما من غير سبق مادّة ومدّة لا من أصل خلق ولا على مثال سبق بدعه انشأه كابتدعه والبديع الحادث لازم ومتعدّ فسماوات الأرواح وأراضى الأشباح كلّها مخلوقة (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ) كيف يجوز ان يكون له ولد (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ) على مثاله شريكة له غير مخلوقة (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) فلم يكن شيء صاحبته ولا ولده بل الكلّ مخلوق له (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)