فلا يحتاج الى ولد وكيل في استعلام حال بعض الأشياء (ذلِكُمُ) الموصوف بالأوصاف المذكورة من قوله (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِ) الى هاهنا والإتيان باسم الاشارة البعيدة المشيرة الى الموصوف بتلك الأوصاف للتّعظيم ولإحضارها في الّذهن وليكون اشارة الى علّة انّيّته تعالى بطريق برهان الإنّ والتّكرار مع سابقه للتّمكّن في الأذهان (اللهُ) اى المسمّى بالله الدّائر على ألسنتكم والموصوف بهذه الأوصاف حقيقة وجوديّة فالمسمّى بالله حقيقة متحقّقة (رَبُّكُمْ) اشارة الى قيّوميّته وربوبيّته لخصوص نوع الإنسان (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) نفى للشّريك له في الآلهة (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) نفى للثّانى عنه تعالى ، فانّ كلّ ما يسمّى شيئا فهو مخلوق له تعالى متعلّق الوجود به تعالى وليس ثانيا له (فَاعْبُدُوهُ) يعنى بعد ما ثبت انّيّته وربوبيّته ، وان لا ثانى له فينبغي العبادة له فاعبدوه (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) حافظ لا حاجة له في تدبير الأشياء الى وكيل وواسطة من ولد وغيره لإحاطته بالكلّ ، ولمّا صار المقام مظنّة ان يقال هل يدرك مع احاطته؟ ـ فقال جوابا : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) لا ابصار العيون ولا ابصار القلوب لإحاطته وقصور المحاط عن ادراك المحيط ، ولكن تدركه القلوب بحقيقة الايمان (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) لانّ شأن المحيط ادراك المحاط (وَهُوَ اللَّطِيفُ) لطفا يقصر عن إدراكه الأبصار لقصورها (الْخَبِيرُ) بالأشياء ومنها الأبصار ومثل هذا يسمّى في البديع بتشابه الأطراف (قَدْ جاءَكُمْ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : إذا لم يدركه الأبصار فهل يمكن إدراكه؟ ـ فقال : قد جاءكم (بَصائِرُ) جمع البصيرة كالابصار جمع البصر والبصيرة للقلب كالبصر للبدن تطلق على قوّة بها يدرك المعقولات وعلى إدراكها وعلى الحجج الّتى بها يكون ذلك الإدراك وهذه هي المرادة بالبصائر هاهنا ، وهي اعمّ من الأنبياء والأولياء ومعجزاتهم وكراماتهم وسيرهم وأخلاقهم وكتبهم وشرائعهم ، ومن البلايا والواردات والعبر والآيات الّتى تكون لخصوص الإفراد أو لعموم العباد ، هذا في الآفاق ، وامّا في الأنفس فهي عبارة عن العقول والزّواجر والنّفوس والخواطر والإلهامات والمنامات خصوصا الصّادقات منها ، فانّها ادّل دليل في العالم الصّغير على وجود الآخرة وبقائها ووجود كلّ جزء من أجزاء عالم الطّبع فيها ماضياتها وآتياتها ، وهذا هو الدّليل الوافي لكلّ ذي بصيرة على بقاء الأنفس بعد فناء الأبدان فكلّ هذه بصائر (مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ) بها من أسماء الله وصفاته ومن أمور الآخرة (فَلِنَفْسِهِ) ابصر (وَمَنْ عَمِيَ) عنها (فَعَلَيْها) عمى (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) هذه حكاية قول النّبىّ (ص) بتقدير القول أو هي من الله لكنّها اشارة الى انّ حفظه تعالى وتدبيره للعباد موكول الى سبق الاستحقاق والاستعداد حتّى لا يحتجّ عليه العباد (وَكَذلِكَ) التّصريف الّذى صرّفنا الآيات والحجج في الألفاظ السّهلة التّناول بحسب المعنى (نُصَرِّفُ) متتاليات (الْآياتِ) الآفاقيّة والانفسيّة في العالم وفي النّفوس وفي الألفاظ ليعمى فرقة وليبصر فرقة اخرى (وَلِيَقُولُوا) اى الفرقة العامّيّة واللّام للعاقبة (دَرَسْتَ) قرئ درست ودارست معلوما بتاء الخطاب بمعنى قرأت وذاكرت وتعلّمت ، وقرئ درست بتاء التّأنيث بفتح الرّاء وصضمّها ودارست بتاء التّأنيث ودرست ببناء المجهول وتاء التّأنيث ودر سن بنون جمع المؤنّث ودارسات بجمع اسم الفاعل والكلّ من الدّروس بمعنى الاندراس ، ويجوز ان يكون درست مجهولا بمعنى قرئت ، وقرئ درس معلوما بالغيبة بمعنى تعلّم محمّد هذه الآيات ودرس بكلّ من معنييه لازم ومتعدّ (وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)