في أمور الدّنيا بل يدعون النّاس في كمال الشّفقة الى الآخرة ، وهذا تسلية للرّسول (ص) وسائر المؤمنين ، والعدوّ ضدّ الصّديق يستوي فيه الواحد والكثير والمذكّر والمؤنّث ولذا أبدل عنه الجمع (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) اعلم ، انّ الإنسان وجملة عالم الطّبع واقع بين العالمين العلوىّ والسّفلىّ كما سبق ولأهل كلّ من العالمين جهة تسلّط وتصرّف في الإنسان ، وعالم الطّبع والعالم السّفلىّ مهوى الشّياطين والجنّ ودار الأشقياء وجحيمهم ، والعالم العلوىّ القريب من عالم الطّبع مقرّ الملائكة ذوي الاجنحة دون المقرّبين ، فان عالمهم أعلى من ذلك والإنسان قابل لتصرّف أهل العالمين وله إمكان التّوجّه الى كليهما ، فمن توجّه بسوء اختياره الى السّفلىّ وقبل تصرّف الشّياطين والجنّة وتمكّن في ذلك القبول ولم يبق له جهة استعداد قبول تصرّف الملائكة صار مظهرا للشّياطين ومتحقّقا بهم بحيث لم يكن في وجوده الّا الشّيطان وكان فعله فعله وامره امره وخلقه خلقه وقوله قوله كما قيل بالفارسىّ :
چون پرى غالب شود بر آدمي |
|
گم شود از مرد وصف مردمى |
هر چه گويد أو پرى گفته بود |
|
زين سرى نه زان سرى گفته بود |
وان كان مع ذلك باقيا عليه بعض أوصاف الإنسان كان شيطان الانس وان لم يكن كان شيطان الجنّ ، ويحتمل ان يكون المراد بشياطين الجنّ ، الجنّة الّتى تؤذي من طريق الباطن وعلى اىّ تقدير فالمقصود التّعريض بالحبتر والزّريق كما في الخبر ، ومن توجّه بتوفيق الله الى العالم العلوىّ وقبل تصرّف اهله وتمكّن في ذلك بحيث لم يبق له استعداد تصرّف الشّيطان صار مظهرا للملائكة بل لله وكان فعله وقوله وخلقه ظهور افعال الملائكة وأقوالهم وأخلاقهم كما قيل :
چون پرى را اين دم وقانون بود |
|
كردگار آن پرى خود چون بود |
پس خداوند پرى وآدمي |
|
از پرى كى باشدش آخر كمى |
وعن الصّادق (ع): من لم يجعله الله من أهل صفة الحقّ فأولئك شياطين الانس والجنّ (يُوحِي) اى يلقى أو يوحى من طريق الباطن شياطين الجنّ الى شياطين الانس (بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ) حسن القول الكاذب بتمويهه (غُرُوراً) وحي غرور أو للغرور أو غارّا (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) فلا تبتئس بما فعلوا فانّه بمشيّتنا وفيه مصالح وحكم لكم (فَذَرْهُمْ) من غير تعرّض لهم بالرّدّ والقبول (وَما يَفْتَرُونَ) ليقولوا ما يريدون حتّى يجرى حكمنا ومصالحنا (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) عطف على محذوف كما ذكرنا أو عطف على غرورا (وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا) يكتسبوا (ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) حتّى يتميّزوا من المؤمنين ويخلصوا ايمان المؤمنين بايذائهم ايّاهم (أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً) بتقدير قل أو بتقدير قال أو يقول أو يقال جوابا لسؤال مقدّر (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ) القرآن والنّبوّة (مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ) يعنى الّذين آتيناهم النّبوّة بتسليم أحكامها وقبولها وآتيناهم كتاب النّبوّة في صورة كتاب سماوىّ كأهل الكتابين يعلمون انّ القرآن أو كتاب نبوّتك أو ولايتك فانّهما روح القرآن منزّل من ربّك (بِالْحَقِ) متلبّسا بالحقّ الّذى هو الولاية أو بسببه أو معه (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)