لا اثر في قول قائله والظّنّ مع الاجازة يؤثّر وليس الاجازة الالهيّة بأقلّ من الاجازة الشّيطانيّة ، والحال انّ المرتاضين بالأعمال الشّيطانيّة ان تعلّموا تعلّما صحيحا مع تصحيح الألفاظ جميع المناطر لم يؤثّر شيء منها ما لم يجزه صاحب الاجازة ، وإذا اجازة صاحب الاجازة يؤثّر قوله ولو كان مغلوطا ، فالاجازة تجعل المغلوط أشرف من الصّحيح وهكذا الحال في الاجازة الالهيّة ولمّا نفى البرهان عنهم في تعليق الإشراك والتّحريم على مشيّة الله المفهوم من مفهوم الشّرط ، فانّ المراد بقرينة المقام من هذا الشّرط الدّلالة على تعلّق الإشراك بمشيّة الله وان كان بحسب اللّغة أعمّ ، ونسب تكذيب النّبىّ (ص) إليهم بذلك التّعليق مشعرا بذمّهم فيه وأوهم ذلك نفى تعليق الأفعال على المشيّة امر نبيّه (ص) بان يقول لهم : انّ البرهان منحصر في الله وفيمن أخذ عن الله تمهيدا لتعليق الأفعال على مشيّة الله رفعا لتوهّم عدم سببيّة المشيّة النّاشى عمّا سبق فقال تعالى (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) في كلّ ما قال وما فعل (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) فله الحجّة في صدق هذا القول وقد أظهرها لي يعنى لي الحجّة في تعليق اشراككم وتحريمكم على مشيّة المفهوم من مفهوم قولكم لو شاء الله ما أشركنا لا لكم وله الحجّة في ترك تلك المشيّة ومشيّة ضدّه ، اعلم ، انّ مشيّة الله وهي إضافته الاشراقيّة الّتى بها وجود كلّ ذي وجود كالرّحمة والارادة عامّة وهي الّتى بها وجود كلّ ذي وجود امكانىّ بكمالاته الاولويّة والثّانويّة في سلسلة النّزول والصّعود مثل الرّحمة الرّحمانيّة وخاصّة ، وهي الّتى بها وجود الكمالات الثّانويّة للمكلّفين في سلسلة الصّعود مثل الرّحمة الرّحيميّة وتسمّى بالرّضا والمحبّة (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) ، و (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) اشارة إليها فالمشيّة العامّة لها السّببيّة لكلّ ذات وفعل وصفة لكنّ الفاعل ما لم يخرج عن حدّ نفسه ولم ينظر الى مشيّة الله بنور بصيرته ويرى نفسه فاعل فعله كما يشعر به قولهم ما أشركنا بنسبة الإشراك الى أنفسهم ما صحّ له نسبة الفعل أو تعليقه على المشيّة وكان مذموما كاذبا في نسبة فعله الى المشيّة ، وبهذا أيضا يصحّ ذمّهم في قولهم لو شاء الله ما أشركنا بتعليق عدم الإشراك اى الاهتداء على المشيّة مع إثبات هذا التّعليق بقوله (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) وكذلك المشيّة الخاصّة لها السّببيّة في الأفعال التّكليفيّة الصّالحة ، فلو أرادوا تلك المشيّة فالجمع بين ذمّهم على قولهم وإثبات قولهم بمثل ما ذكر في المشيّة العامّة ولمّا أبطل قولهم ذلك بعدم البرهان وعدم علمهم في أنفسهم أراد ان يبطل علمهم التّقليدىّ أيضا باستحضار الرّؤساء الّذين قلّدوهم وإلزامهم جهلهم وضلالتهم حتّى يتبيّن لهم انّ تقليدهم فاسد ، وانّ التّقليد يصحّ إذا كان تقليدا لمن نصبه الله للتّقليد كالأنبياء وأوصيائهم وغيرهم كائنا من كان لا ينفكّ عن الهوى وتقليده اتّباع للهوى فقال (قُلْ) لهم ايّها العاجزون عن البرهان والقاصرون عن العلم (هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) اى رؤساءكم الّذين تقلّدونهم (الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا) حتّى أظهر لكم جهلهم واتّباعهم للهوى (فَإِنْ شَهِدُوا) بذلك (فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) وضع الظّاهر موضع المضمر للدّلالة على انّ شهادتهم ناشئة عن اتّباع الهوى لانّهم موصوفون بتكذيب آيات الله والمكّذبون بآيات الله لا يكونون الّا صاحبي الاهوية النفسانيّة (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) وصف آخر باعث لاتّباع الهوى (وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) اى يسوّون غيره به وصفهم بأوصاف ثلاثة كلّ واحد منها يكفى في ردّ شهادتهم (قُلْ) بعد عجزهم عن العلم واقامة البرهان وإلزامهم فساد تقليدهم لرؤسائهم (تَعالَوْا) الىّ فانّي منصوب من الله (أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) حتّى تقلّدونى تقليدا صحيحا (أَلَّا تُشْرِكُوا