آدم (ع) بعد نزول اللّطيفة الآدميّة الى ارض البدن وهبوطها على صفا نفسها وهبوط حوّاء على مروتها اللّتين هما جهتا النّفس العليا والسّفلى ، يصيرون مثل آدم ابى البشر ويؤمر الملائكة الّذين هم موكّلون عليهم بالسّجود لتلك اللّطيفة ، فيسجدون وينقادون لها غير إبليس الواهمة فانّه ما لم يكسر سورة كبريائه واستعلائه بالرّياضات الشّرعيّة والعبادات القالبيّة والقلبيّة لا يسلّم لآدم (ع) ولا ينقاد له ، وشيطاني أسلم على يدي ، اشارة الى ما ذكرنا (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) لم يقل لم يسجد اشارة الى انّ فطرته كانت فطرة العتوّ والاستكبار وانّه لم يكن من سنخ السّاجدين ولا يمكنه السّجود الّا بتبديلها ، ولذا ورد ، انّه لم يكن من المأمورين بالسّجود وأدخل نفسه في المأمورين (قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) اى ما منعك مضطّرا الى ان لا تسجد أو لا زائدة وتزاد لا للتّأكيد خصوصا بعد المنع (إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) يعنى حملني على ترك السّجدة كوني خيرا منه وخيّرتنى منه بخيريّة مادّتى لانّك (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) والنّار علويّة شفيفة سريعة الأثر منيرة مبدلة كلّ ما اتّصل إليها بسرعة ، والطّين خلافها ، وفي خبر : انّ اوّل من قاس إبليس ، وفي خبر : انّ اوّل معصية ظهرت الانانيّة من إبليس اللّعين ، وأقسم بعزّته لا يقيس أحد في دينه الّا قرنه مع عدوّه إبليس في أسفل درك من النّار ، وفي خبر آخر : كذب إبليس ما خلقه الله الّا من طين قال الله (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) ، قد خلقه الله من تلك النّار ومن تلك الشّجرة والشّجرة أصلها من طين (قالَ فَاهْبِطْ مِنْها) من السّماء (فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) فانّ المحلّ الرّفيع لمن تواضع لله (فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) الاذلّاء (قالَ) بعد ما علم انّه لا يعود الى السّماء ومحلّه أسفل السّافلين (أَنْظِرْنِي) أمهلنى (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) فلا تعجل في عقوبتي وإماتتي (قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) أنظره ابتلاء لعباده وتمييزا للطّيّب منهم عن الخبيث (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي) نسب الإغواء الى الله كما هو عادة المتأنّفين من نسبة القبيح الى أنفسهم والغالب في ذلك هي النّسوان (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) مترصّدا لاغوائهم كما يترصّد قطّاع الطّريق للفرصة من المارّة ، والصّراط المستقيم هو صراط القلب وهو الولاية التّكوينيّة والتّكليفيّة (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) من جهة تزيين المشتهيات الاخرويّة واتعابهم في العمل لأجلها (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) من جهة المشتهيات الدّنيويّة (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) بتزيين الأعمال الدّينيّة بحيث يستلذّها ويعجب بها فيفسدها (وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) بتزيين الأعمال القبيحة بحيث يعدّون قبائحهم حسنات ويباهون بمعاصيهم وملاهيهم ومقصوده منه ، تصوير المخاصمة معهم بكلّ ما يتصوّر المخاصمة به من الخصمين من المباغتة من كلّ جهة ولذلك لم يذكر من فوقهم ومن تحتهم ، فانّه لا يتصوّر للعدوّ الصّورىّ الإتيان منهما ولانّ جهة الفوق جهة الرّحمة الالهيّة ولا يتصوّر نزول الشّيطان منها ، وجهة التحت هي جهة الموادّ من العنصريّة والجماديّة والنّباتيّة والحيوانيّة يعنى مقام الحيوان الخارج عن حدّ الإنسان ، لا المشتهيات الحيوانيّة الّتى هي تحت الانسانيّة ومتّحدة معها والإنسان بالطّبع نافر منها كلّ النّفرة متوحّش كلّ التوحّش لا يمكن اغواؤه من تلك الجهة ، والإتيان في الاوّلين بحرف الابتداء وفي الأخيرين بحرف المجاوزة لتصوير تلك المخاصمة بصورة المخاصمة الصّوريّة ، فانّ الخصم الآتي من القدّام متوجّه الى خصمه غير متجاوز عن جهة قدّامه ، وكذا الآتي من الخلف يباغت الخصم من خلفه لكنّ