الآتي من أحد الجانبين يتجاوز عنه ويباغته ، أو ينصرف المأتىّ اليه بوجهه الى الآتي من أحد جانبيه في الأغلب (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) لغفلتهم عن الانعام وابتهاجهم بنفس النّعمة أو بصرف النّعمة الّتى أنعمت عليهم في غير وجهها بتلبيسى عليهم وجهها (قالَ اخْرُجْ مِنْها) من السّماء (مَذْؤُماً) مذموما (مَدْحُوراً) مطرودا (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) أقسم مقابلة لقسمه وتأكيدا (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ وَيا آدَمُ) قال يا آدم (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) قد سبق في سورة البقرة (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ) فعل الوسوسة وهي الصّوت الخفىّ في الأصل ثمّ غلب على ما يلقى الشّيطان في النّفوس من الخواطر الخفيّة السّيّئة أو المؤدّية الى السّوء ، وان كان المراد ظاهر ما ورد في الاخبار من انّه اختفى بين لحيتي الحيّة وأظهر النّصح لهما بلسان ظاهرىّ وسمعاه بالسّمع الظّاهر ، فالمقصود انّه أظهر النّصح لهما بصوت خفىّ إظهارا لهما انّه محض التّرحّم والشّفقة لهما مبالغة في الغرور ، فانّ الرّحمة والشّفقة تقتضيان إخفاء الصّوت لا الإجهار به ، والإتيان باللّام للاشارة الى انّه نصح نافع لهما (لِيُبْدِيَ لَهُما) اللّام للعاقبة أو للغاية على انّه كان عالما بانّ قرب الشّجر مورث لان يبدي لهما (ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) وقد ورد انّ المراد كان بالسوأة هو العورة وكانت قبل ذلك مختفية غير ظاهرة على أنفسهما ولا على غيرهما ولكن إذا أريد بالشّجرة شجرة النّفس فانّها مجمع تمام الرّذائل والخصائل ، وبه يجمع بين ما ورد في تفسيرها مع اختلافها وتضادّها كما سبق ، وبآدم الرّوح المنفوخة في جسده الّتى هي طليعة العقل ، وبحوّاء جهتها السّفلىّ الّتى خلقت من جانبها الأيسر ، كان المراد بوسوسة الشّيطان الخطرات الّتى تقرّب الإنسان الى المشتهيات النّفسانيّة وبسوآتهما الرّذائل المكمونة والأهواء الفاسدة والآراء الكاسدة الّتى تظهر بعد الاختلاط بالنّفس ومشتهياتها ، والمراد من ورق الجنّة ما اقتضاه العقل من الحياء والتّقوى فانّهما من أوراق الجنّة ، وبهما وبسائر صفات العقل يستر المساوى ولا يتجاهر الإنسان بها الّا ان يهلك العقل ويخرج من الجنّة وحكومة العقل ، ونداء الرّبّ عبارة عن نداء العقل في وجود الإنسان بالتّوبيخ على ما يصدر عنه ممّا فيه نقصه (وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما) عطف على وسوس وتفصيل لها (عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) كأنّهما استشعرا ان ليس في جبلّتهما ما في الملك ولا ما يقتضي الخلود واستشعرا ما في الملكيّة والخلود من الكمال بالنّسبة الى المخلوق المركّب من طباع العناصر ، فاشتاقا الى الوصفين فقال لهما : انّ الاكل من الشّجرة مورث للوصفين وانّ الله كرّه لكما الوصفين ولذلك نهاكما عن الاكل (وَقاسَمَهُما) كأنّهما لم يعتمدا على قوله وطلبا منه البيّنة والقسم وعهدا قبول قوله ولذا أتى بلفظ قاسم (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلَّاهُما) اى أهبطهما مع تعلّق منهما بمقامها العلوىّ (بِغُرُورٍ) بمعنى المصدر أو بمعنى ما يغرّ به من القسم الكذب وغيره (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) قد مضى البيان (وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) تقريع وتوبيخ لهما على ارتكاب النّهى والاغترار بقول العدوّ حتّى يتنبّها على نقصهما ويستدركاه بالتّوبة ولذلك ابتدرا بالاعتراف والاستغفار (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ