الْخاسِرِينَ قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) قد سبق الآية في سورة البقرة (قالَ فِيها) في ارض العالم الكبير أو الصّغير (تَحْيَوْنَ) بالحيوة الحيوانيّة أو بالحيوة الانسانيّة (وَفِيها تَمُوتُونَ) بالموتين (وَمِنْها تُخْرَجُونَ) فانّ السّعادة والشّقاوة تحصلان في الدّنيا وفي غلاف الطّبع وليس خروج الإنسان وانتقاله الى الجنان أو النّيران ، الّا من جهة المادّة والقوّة الّتى هي ارضيّة الدّنيا والطّبع لا من جهة الصّورة وفعليّتها الّتى هي سماويّتهما بوجه (يا بَنِي آدَمَ) خطاب منه تعالى لبني آدم (ع) اعتناء بهم وتعدادا لنعمهم (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً) يعنى خلقنا لكم ما يستر بشرتكم ويقيكم من الحرّ والبرد وما يستر عوراتكم البشريّة عن الانظار ، وما تتجمّلون به من الملبوس الفاخر فانّ الرّيش هو ما يتجمّل به ، وريش الطّائر جماله والوصفان قد يجتمعان في واحد ، ويطلق الرّيش على متاع البيت وعلى ما يعيش الإنسان به وعلى سعته ومكنته ونزولهما بحسب نزول أسباب مادّتهما من الأمطار والآثار من تأثيرات الكواكب وحركات الأفلاك ، ونزول أسباب تحصيل صورتهما من التّميز وقوّة التّدبير ، وإذا أريد باللّباس ما يستر العورات المعنويّة من الأفعال الحميدة والصّفات الجميلة ويؤيّده قوله (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) فنزوله واضح ، واضافة اللّباس الى التّقوى من قبيل اضافة العامّ الى الخاصّ ، أو اضافة المسبّب الى السّبب ، أو اضافة المشبّه به الى المشبّه ، فانّ التّقوى وان كان مفهومها راجعا الى العدم لكن لها حقيقة وجوديّة بها يحصل التّنزّه عن الرّذائل من الأفعال والأوصاف وبالتّنزّه تحصل الخصائص الّتى بها تستر العورات المعنويّة والنّقائص النّفسانيّة ويحصل التّجمّلات الانسانيّة ، وفي الخبر : وامّا لباس التّقوى فالعفاف انّ العفيف لا يبدو له عورة وان كان عاريا من الثّوب ، والفاجر بادي العورة وان كان كاسيا من الثّياب ، وتخلّل اسم الاشارة بين المبتدء والخبر للاهتمام بذلك اللبّاس وتصوير الأمر المعنوىّ متمثّلا حاضرا وقرئ لباس التّقوى بالنّصب عطفا على لباسا (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ) اى إنزال اللّباس مع شدّة حاجتكم اليه ، أو كون لباس التّقوى خيرا بحيث لا يخفى عليكم أو لباس التّقوى ، فانّ ذلك كلّه من آيات علمه وحكمته وقدرته (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) صرف الخطاب عنهم بطريق الالتفات وهو غاية لانزال اللّباس أو لجعل ذلك من آياته (يا بَنِي آدَمَ) نداء آخر لهم بعد ذكر نعمة ستر عوراتهم لنهيهم عمّا يزيل تلك النّعمة (لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ) بتزيين شجرة النّفس وثمرة مشتهياتها وايلاعكم بها فيزيل عنكم تلك النّعمة من ، فتن الى النّساء ، على صيغة المفعول إذا اولع بهنّ وأراد الفجور (كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ) بالافتتان بشجرة النّفس (مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) لانّهم من أهل الملكوت السّفلى ولا يراهم البشر ببصره الملكىّ بل ببصيرته الملكوتيّة والجملة تعليل للتّحذير والتّذكير المستفاد من النّهى تأكيدا له ، ولمّا كان هناك مظنّة سؤال ان لا يمكن الخلاص لأحد من فتنته لعداوته وخفائه وخفاء مخايل عداوته فلم يكن فائدة للنّهى والتّحذير عنه ، قال تعالى جوابا انّ وجه الخلاص منه الايمان بالآخرة والخروج من الرّسوم والعادة ، لانّا لم نجعل للشّياطين تصرّفا وتسلّطا على من هذه صفته (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) لتخليتنا بينهم وبينهم بعدم محافظة الملائكة (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا) لسانا أو حالا (وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا) يعنى اعتمدوا