عليه لعبادته (وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) البدنىّ النّباتىّ والحيوانىّ والانسانىّ ومن الرّزق الرّوحانىّ من أرزاق النّفوس والقلوب والأرواح (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) اعلم ، انّ الدّنيا والآخرة خلقتا لخليفة الله بالّذات وهذا أحد وجوه قوله : لولاك لما خلقت الأفلاك ، فمن اتّصل به بالاتّصال التّقليدىّ الّذى هو قبول الدّعوة الظّاهرة وقبول ما أخذ عليه بالبيعة العامّة وعقيدة على يد الخليفة بالمعاهدة الاسلاميّة ، أو اتّصل به بالاتّصال الايتمامىّ الّذى هو قبول الدّعوة الباطنة وقبول ما أخذ عليه بالبيعة الخاصّة وعقد يده على يد الخليفة بالمعاهدة الايمانيّة ، فدخل الايمان الّذى هو صورة نازلة من الخليفة في نازل مراتب قلبه الّذى هو الصّدر ، ثمّ دخل صورة اخرى له ملكوتيّة في مرتبة اخرى من قلبه هي أعلى من تلك المرتبة ، وهكذا الى ان يتحقّق بحقيقة الخليفة فهما كانتا له بقدر اتّصاله ويرث من الخليفة بحسبه ، ومن لم يتّصل به بشيء من الاتّصال فهما عليه حرامان وإذا ملك شيئا من الدّنيا ممّا غلب عليه كان مغصوبا في يده ، ولذلك قال : هي للّذين آمنوا في الحيوة الدّنيا ، من غير تقييد بالخلوص من يد الغير يعنى سواء غلب عليها غيرهم أو لم يغلب عليها ، ولمّا لم يمكن غلبة الغير عليها في الآخرة قال (خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) قرئ خالصة بالرّفع وبالنّصب واعراب الآية ان هي مبتدء وللّذين آمنوا خبره ، أو حال وفي الحيوة الدّنيا خبر ، أو خبر بعد خبر ، أو حال عن فاعل آمنوا ، أو عن المستتر في الظّرف ، أو ظرف لغو متعلّق بآمنوا ، أو بقوله للّذين آمنوا ، أو بعامل من افعال الخصوص حال ، أو خبر بعد خبر ، أو خبر ابتداء اى مغصوب عليها في الحيوة الدّنيا ، وخالصة على قراءة الرّفع خبر هي ، أو خبر بعد خبر ، أو خبر مبتدء محذوف ، وعلى قراءة النّصب حال من واحد من العوامل السّابقة ، وعن الصّادق (ع) بعد ان ذكر أنهار الأرض فما سقت واستقت فهو لنا وما كان لنا فهو لشيعتنا وليس لعدوّنا منه شيء الّا ما غصب ، وانّ وليّنا لفي أوسع ممّا بين ذه وذه ، يعنى ممّا بين السّماء والأرض ثمّ تلا هذه الآية : (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) المغصوبين عليها خالصة لهم يوم القيامة بلا غصب ، وفي قوله تعالى (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) بعد قوله : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) وبعد قوله : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) اشارة الى ذلك (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) اى الآيات التّكوينيّة من استحقاق كلّ لما يحقّ له وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه بالآيات التّدوينيّة (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) يشتدّون في السّلوك الى الآخرة ويزدادون في علمهم ، فانّ العلم هو ما كان متعلّقا بالآخرة مع ازدياد واشتداد وكلّ ادراك لم يتعلّق بالآخرة أو كان متعلّقا بها لكن لم يكن له اشتداد بل كان واقفا أو منكوسا بواسطة الأغراض الدّنيويّة لا يسمّى علما عند أهل الله بل جهلا ، وإذا أطلق عليه اسم العلم من باب المشاكلة والموافقة لمخاطباتهم ، فقلّما ينفكّ عمّا يشعر بذمّه أو ينفى اسم العلم عنه (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ، وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) ، (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) ، (ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) ، وقد سمّاه أشباه النّاس عالما (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ،) ولذلك سمّوا شيعتهم الّذين بايعوهم بالبيعة الخاصّة الولويّة الّذين دخل الايمان في قلوبهم علماء وعرفاء : شيعتنا العلماء ، شيعتنا العرفاء ، بطريق الحصر ، فمن لم يكن سالكا الى الآخرة وسائرا الى الله بقدم الايتمام بإمام حقّ منصوص من الله وان بلغ ما بلغ في علومه الحكميّة وظنونه الفرعيّة لا يسمّى عالما