فلا يدخلونها ما دام جمل انانيّاتهم باقية فاذا ذاب انانيّاتهم دخلوها (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) امّا من قبيل وضع الظّاهر موضع المضمر إبداء لوصف آخر لهم مشعر بالّذمّ وإظهارا لاستحقاق العقاب من جهة اخرى ، أو المراد بالمجرمين غير المكذّبين وهكذا الحال في قوله نجزى الظّالمين (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) حال أو استيناف لبيان حالهم ، والغواشي جمع الغاشى بمعنى المغمى ، أو جمع الغاشية بمعنى الغطاء أو الإغماء ، وفي لفظ مهاد وغواش بمعنى الأستار تهكّم بهم (وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) قد مضى مثله ، وانّ المراد بالايمان ان كان الإسلام الحاصل بالبيعة النّبويّة وقبول الدّعوة الظّاهرة فالمراد بعمل الصّالحات الايمان الخاصّ الحاصل بالبيعة الولويّة وقبول الدّعوة الباطنة ودخول الايمان في القلب وتوابعه من الأعمال القلبيّة المستتبعة للأعمال القالبيّة ، وان كان المراد به الايمان الخاصّ فالمراد بعمل الصّالحات مستتبعات هذا الايمان ، ولمّا جاء بالصّالحات معرّفة بلام الاستغراق وأو هم الإتيان بجميع الصّالحات وليس في وسع افراد البشر الإتيان بجميع الصّالحات استدركه بقوله (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) معترضا بين المبتدء وخبره (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) تكرار المبتدء باسم الاشارة اوّلا وبالضّمير ثانيا لتأكيد الحكم وإحضار المبتدء بوصفه المذكور وتفخيما لشأنهم بالاشارة البعيدة وتثبيتا لهم في الأذهان بالتّكرار (وَنَزَعْنا) في الدّنيا أو في الجنّة (ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) الغلّ بالكسر الحقد وتشبيه الغلّ بالثّوب واستعمال النّزع فيه استعارة تخييليّة وترشيح للاستعارة ، والمقصود انّه تعالى يطهّر صدور المؤمنين من موجبات الغلّ من الكدورات الدّنيويّة والصّفات الرّذيلة النّفسانيّة حتّى تصفو صدورهم من الحقد والحسد ، خصوصا بالنّسبة الى إخوانهم المؤمنين وكذا من العجب والرّياء والشّكّ والشّرك الخفىّ فلا يبقى في صدورهم الّا الودّ الخالص والصّدق التّامّ (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) الجملة حاليّة أو مستأنفة جواب لسؤال مقدّر أو خبر بعد خبر (وَ) بعد ما صارت صدورهم مصفّاة ممّا يوذيهم ومقامهم مأمنا عمّا لا يلائمهم ومجالسوهم فارغين ممّا يسوؤهم (قالُوا) تبجّحا وشكرا (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) المقام أو هذا الفضل والمراد بالهداية الإيصال الى المطلوب أو الى طريق المطلوب مع تهيّة أسباب سلوكه (وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) قالوا ذلك لانّهم كانوا مؤمنين بالغيب غير مشاهدين فلمّا شاهدوا ما آمنوا به فرحوا بما شاهدوا واظهروه لغاية السّرور (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) يعنى ما كنتم تعملون سبب من طرف القابل لا انّه سبب فاعلىّ. اعلم ، انّ الإنسان بانسانيّته له قوّة الوصول الى الجنان وبفطرته له النّسبة الى العقل الكلّىّ ومظهره الّذى هو النّبىّ (ص) والولىّ (ع) وبتلك النّسبة يصحّ نسبة الابوّة والبنوّة بينهما تكوينا ويصحّ نسبة الأخوّة بين كلّ الاناسىّ تكوينا ، فاذا اتّصل هذه النّسبة بالنّسبة التّكليفيّة بالبيعة العامّة النّبويّة أو الخاصّة الولويّة تقوى تلك النّسبة وظهرت بحيث يصير الولد والدا والوالد ولدا ، وبتلك النّسبة وقدر ظهورها يرث الولد من والده بعضا من ملكه أو جميع ممالكه وإذا لم يتّصل النّسبة التّكوينيّة بالنّسبة التّكليفيّة لا بالبيعة ولا حال الاحتضار انقطعت لا محالة ، وإذا انقطعت نسبته عن الوالد الّذى هو العقل الكلّىّ ومظهره لم يرث منه شيئا وورثه ما كان ينبغي ان يرثه هو اخوه المناسب له في بعض الجهات