فصحّ ان يقال أورثتموها من الله أو من العقل أو من مظهر العقل ، وصحّ ان يقال أورثتموها من أهل الجحيم كما يصحّ ان يقال : أهل الجحيم أورثوا منازل أهل الجنّة من الجحيم وقد مضى تحقيق الايراث وكيفيّته (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ) إظهارا للنّعمة تبجّحا وتقريعا لأصحاب النّار (أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ) من الله (بَيْنَهُمْ) والمؤذّن هو صاحب مرتبة الجمع وهو الّذى على الأعراف ولذا فسّر بأمير المؤمنين (ع) وقال : انا ذلك المؤذّن (أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) ولمّا كان الظّلم الحقيقىّ هو ستر وجهة القلب الّتى هي الولاية التّكوينيّة ، ثمّ الاباء عن الولاية التّكليفيّة الّتى بها يفتح باب القلب ويوضح طريقه الى الله ، وبهذين الظّلمين ينسدّ طريق القوى المستعدّة للاتّصال الى صاحب الولاية وهي باتّصالها بصاحب الولاية تصير من عترة الرّسول تكوينا ، فسدّ طريقها ظلم عليها وظلم على العترة بوجه وظلم على صاحب الولاية بوجه ، ثمّ جحود الولاية ثمّ الاستهزاء بصاحب الولاية ثمّ سدّ طريق العباد عن الولاية وذلك أيضا ظلم على عترة محمّد (ص) بالوجوه السّابقة ، فسّر الظّلم في الكتاب بالظّلم على آل محمّد (ص) ووصف الظّالمين بقوله (الَّذِينَ يَصُدُّونَ) اى يعرضون أو يمنعون (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) تفسيرا للظّلم (وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ) فانّ سبيل الله هو وجهة القلب تكوينا وولاية الامام الّذى هو المتحقّق بتلك الوجهة تكليفا ، والكفر بالآخرة هو الكفر بالولاية التّكوينيّة والتّكليفيّة أو مسبّب عنه (وَبَيْنَهُما) اى الفريقين أو الجنّة والنّار (حِجابٌ) والمراد بالحجاب البرزخ الاخروىّ الّذى هو واسطة بين الملكوتين ولا بدّ لأهل كلّ من العبور عليه ، كما انّ المراد بالسّور في قوله (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) هو هذا البرزخ ، وتحقيق كون الدّنيا برزخا والبرزخ الاخروىّ واسطة بين الملكوتين وكون الملكوت السّفلى ظلّا ظلمانيّا للدّنيا والملكوت العليا عكسا نورانيّا لها ، وبعد الخلاص من عالم الطّبع لا بدّ من عبور كلّ على البرزخ الاخروىّ الّذى هو بوجه جهنّم ، كما انّ عالم الطّبع أيضا بوجه جهنّم ، والبرزخ الاخروىّ هو الحجاب الّذى ظاهره يلي الملكوت السّفلىّ من قبله عذاب الملكوت السّفلى وباطنه الّذى يلي الملكوت العليا فيه الرّحمة الّتى هي نعم الجنان الصّوريّة ثمّ نعم الجنان المجرّدة عن الصّورة والتّقدّر قد مضى اجمالا وسيجيء في سورة الحديد (وَعَلَى الْأَعْرافِ) اى اعراف الحجاب جمع العرف وهو ما ارتفع من الأرض ومنه عرف الدّيك وعرف الفرس والمعنى على اعالى الحجاب (رِجالٌ) مخصوصون وهم الّذين أدركوا البقاء بعد الفناء ووصلوا الى مقام الجمع وردّوا من الحضور الى الخلق لتكميلهم وهم الأنبياء (ع) والأولياء (ع) ، فانّهم بعد ردّهم يقفون بملكوتهم على البرزخ لكن على جهاته الّتى فيها الرّحمة وهي أعاليه حتّى يمكنهم الاحاطة والاتّصال بالملك والملكوتين ، لانّهم بشأنهم الجبروتىّ اجلّ شأنا من ان يراقبوا الكثرة لانّ العالي لا التفات له الى الدّانى بالذّات وبشأنهم الملكىّ لا سعة لهم ولا احاطة حتّى يتيسّر لهم المراقبة وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه ، بل بشأنهم الملكوتي الّذى يتنزّلون به عن الملكوت العليا الى اعالى البرزخ فيراقبون أهل الملك والملكوت العليا والسّفلى ويعطون كلّا حقّه ، ولمّا كان النّبوّات والولايات الجزئيّة اظلالا من الولاية الكلّيّة وكان المتحقّق بالولاية الكلّيّة عليّا وأولاده الطّاهرين ، صحّ تفسير الرّجال بهم وحصرهم فيهم ولمّا كان البرزخ مرتبة من مراتبهم وشأنا من شؤنهم قال علىّ (ع): نحن الأعراف ولمّا كان جهة البرزخ العليا