والغمّ والفرح والنّعاس والكسل الغالبة بحيث يغلب مقتضاها على مقتضى العقل بل الحالة الحاصلة المانعة من نفاذ حكم العقل وتدبيره سكر النّفس من اىّ شيء كانت ومن أىّ سبب حصلت ، وقد أشير في الاخبار الى تعميم السّكر ففي خبر في بيان الآية : لا تقم الى الصّلوة متكاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا فانّها من خلال النّفاق ، وفي خبر منه سكر النّوم ، ومنها سكر الشّهوة الغالبة الّتى لا يفيق صاحبها عنه الّا بقضائها ، ويسمّى الحالة الحاصلة بعد قضاء الشّهوة من تدنّس النّفس بدنس الشّهوة وتكدّرها بكدورات الحيوانيّة ، وتوغّلها في صفات البهائم جنابة ، ولا اختصاص لتلك الحالة بشهوة خاصّة بل كلّما يدنّس الإنسان ويوغّلها في الحيوانيّة البهيميّة أو السّبعيّة فهو جنابة النّفس (حَتَّى) تفيقوا من سكركم و (تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) لفظة ما استفهاميّة أو موصولة أو موصوفة يعنى حتّى تعلموا الّذى تقولون فلا تحرّفوا الكلم عن مواضعه ولا تغيّروه عن الصّورة الّتى نزل عليها كما قيل : انّها نزلت حين قرأ بعض الصّحابة في الصّلوة حالة السّكر ، اعبد ما تعبدون ولمّا كان المتبادر من السّكر سكر الخمر والمستفاد من الآية جواز هذا السّكر وعدم جواز الدّخول في الصّلوة معه ورد انّها نسخت من حيث هذا الجواز المستفاد ، ولمّا كان محض الافاقة من سكر النّفس من دون رفع اثر التّدنّس منها غير مبيحة للقرب من الصّلوة أضاف اليه قوله تعالى (وَلا جُنُباً) يعنى لا تقربوا المساجد بالدّخول فيها حرمة أو كراهة ، ولا تدخلوا في الصّلوة القالبيّة بمعنى انّها لا تنعقد منكم ولا تقربوا الصّلوة الحقيقيّة الّتى هي اذكاركم القلبيّة وافكاركم المثاليّة الّتى هي مثل مشايخكم ولا تقربوا قلوبكم وعقولكم الّتى هي قربانكم وصلوتكم ان كان لكم قلب وعقل ولا تقربوا الصّلوات الحقيقيّة الّتى هي خلفاء الله في أرضه جنبا يعنى في حالة تدنّسكم بادناس شهوات النّفوس وغضباتها وفي حالة توغّلكم في عقباتها حتّى لا تدنّسوا الصّلوات بادناس نفوسكم (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) مطلقا في المسجد الصّورىّ أو بشرط التيمّم للدّخول في الصّلوة القالبيّة أو بشرط التيمّم المعنوىّ للدّخول في الصّلوات المعنويّة (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) بان تغمسوا أبدانكم في الماء حتّى تزيلوا ادناس ظواهر أبدانكم الّتى حصل عليها من الأبخرة الغليظة الرّديّة العفنة الّتى حصلت في بشرتكم وسدّت مسامّ أبدانكم الّتى بسببها ترويح أرواحكم الحيوانيّة وفي بقائها على أبدانكم احتمال امراض عديدة وحتّى تتنبّهوا من الاغتسال الظّاهر وتنتقلوا الى لزوم اغتسال نفوسكم من ادناس رذائلكم بماء التّوبة والانابة الى ربّكم فتغمسوا أنفسكم في الماء الطّهور الّذى يجرى عليكم من عين الولاية التّكوينيّة والتّكليفيّة (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) بعد ما علم تعميم السّكر من الاخبار سهل تعميم الجنابة ، وبعد تعميم الجنابة سهل تعميم الفقرات المذكورة في هذه الآية ، وجملة الشّرط والجزاء معطوفة باعتبار المعنى فانّ المعنى يا ايّها الّذين آمنوا ان كنتم سكارى فلا تقربوا الصّلوة حتّى تعلموا ما تقولون ، وان كنتم جنبا فلا تقربوها حتّى تغتسلوا ، وان كنتم مرضى يعنى حين ارادة قرب الصّلوة أو حين الجنابة وارادة الاغتسال والأخير هو المتبادر من سوق العبارة وهذا المتبادر يدلّ على قصد العموم من الفقرات كما انّ عدم التّقييد بشيء منهما يدلّ أيضا على قصد العموم وانّ المراد ان كنتم مبتلين بالامراض البدنيّة المانعة من استعمال الماء الصّورى أو من طلبه وتحصيله ، أو بالامراض النّفسانيّة المانعة من الغسل بماء الولاية أو من طلبه وتحصيله فتيمّموا واقصدوا تراب الذّلّة والمسكنة عند الله الّذى هو أطيب من كلّ طيب بعد ماء الولاية ، واقصدوا ترابا من وجه الأرض طاهرا وأظهروا اثر تراب الذّلّ على وجوهكم المعنويّة بإظهار تضرّعكم وخشوعكم وتبصبصكم عند ربّكم ، واثر تراب الأرض الصّوريّة على مقاديم أبدانكم (أَوْ) ان كنتم (عَلى سَفَرٍ)