يتعذّر عليكم فيه استعمال الماء أو تحصيله سواء كان سفركم في الأرض الصّوريّة أو في طرق النّفس للخروج من ديار الشّرك الّتى هي ديار النّفس فانّكم ما دمتم متحيّرين في طرق النّفس امّا لا تتذكّرون بماء الولاية ولا تتمكّنون من تحصيله أو لا يليق بكم الاغتسال بعد فيه لتضرّركم به (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) الغائط المنخفضة من الأرض كانوا يقصدونها للنجو فكنّى به عنه ولم يقل أو على الغائط ليكون أوفق بسابقه واخصر لانّ من كان على الغائط لم يصحّ منه صلوة أصلا ولا يرد الصّلوة ولم يقل ، أو على المجيء من الغائط لانّه داخل في قوله على السّفر بلحاظ التّأويل ، ولم يقل أو جئتم من الغائط ليوافق السّابق واللاحق في المرفوع لارادة العموم البدلىّ من أحد حتّى يصحّ الحكم بحسب التّنزيل وللاشارة الى انّ كلّ واحد منكم جماعة وإذا وقع واحد منكم أو من قواكم وجنودكم في سفل النّفس ووهدتها فما دام هو في تلك الوهدة كان حالكم حال السّكران الّذى لا يليق به قرب الصّلوة أصلا ، وإذا انصرف من جهنّام النّفس كان حالكم حال الجنب المفيق من شهوة الفرج لكن لا يليق بكم استعمال ماء الولاية أو لا تصلون اليه وإذا أريد تصحيح ظاهر التّنزيل يجعل أو هاهنا بمعنى الواو حتّى لا يلزم جعل ما هو جزء الشّرط قسيما له (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) كناية عن المجامعة يعنى ان جامعتموهنّ وخالطتم نفوسكم باتّباع مقتضياتها فلا يليق بكم استعمال الماء أو لا تصلون اليه (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) للاستعمال بان لم تجدوه أو تجدوه ولا تتمكّنوا من استعماله ، أو المراد عدم وجدان الماء ويكون تعذّر استعمال الماء غير مذكور مثل سائر مجملات القرآن (فَتَيَمَّمُوا) يمّ وامّ بمعنى قصد اى فاقصدوا (صَعِيداً) اى ترابا أو وجه ارض على خلاف في معناه اللّغوىّ (طَيِّباً) اى طاهرا أو مباحا وعلى اختلاف تفسير الصّعيد اختلفوا في جواز التّيمّم على الحجر والوحل ، وان كان المراد بالصّعيد مطلق وجه الأرض فالآية الآتية في سورة المائدة تدلّ على عدم جواز التّيمّم بما ليس فيه غبار مثل الحجر الصّلد والوحل حيث قال تعالى هناك : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) والاخبار تدلّ على جواز التّيمّم بالتّراب ثمّ بما فيه غبار من اللّبد وعرف الفرس وغيرهما ، ثمّ بالوحل ثمّ بالحجر لكن تدلّ على انّ التيمّم بغير التّراب انّما هو من باب الاضطرار (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ) اى بعض وجوهكم وهذا من المجملات الّتى بيّنوها لنا (وَأَيْدِيكُمْ) عطف على وجوهكم اى بعض أيديكم وقد بيّنوها لنا ولم يدعونا حيارى لا ندري اىّ شيء الممسوح ، ولا حاجة لنا الى ان يقول كلّ منا بقول وان نجعل هوانا إلهنا والحمد لله ربّ العالمين (إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا) يعنى رخّص الله لكم القرب من الصّلوة مع تدنّسكم بادناس الطّبيعة والنّفوس من دون اغتسال أبدانكم بالماء الصّورىّ ومن دون اغتسال نفوسكم بالماء المعنوىّ بشرط ظهور تراب الذّلّ والمسكنة على مقاديم أبدانكم ومقاديم نفوسكم لانّه كان عفوّا كثير العفو عن عباده وتقصيراتهم وقصوراتهم ، فلا يؤاخذكم بتدنّسكم بادناس النّفس والطّبع والهوى (غَفُوراً) يستر عليكم ما يبقى عليكم من اثر دنس الهوى فلا يطردكم عن حضرته بسبب ذنوبكم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً) حظّا يسيرا (مِنَ الْكِتابِ) اى كتاب النّبوّة بان دخلوا في شريعة وقبلوا دعوة نبىّ دعوته الظّاهرة مثل اليهود والنّصارى والمسلمين الّذين بايعوا محمّدا (ص) بالبيعة العامّة النّبويّة بان لا يخالفوا قوله ويطيعوا امره ونهيه وان كان نزول الآية في أحبار اليهود فالمقصود منافقوا الامّة تعريضا الّذين انحرفوا عن طريق الولاية ومنعوا غيرهم والآية تعجيب من حالهم الّتى كانوا عليها لانّ النصيب من الكتاب يقتضي الاهتداء الى أصحاب الكتاب والبيعة