المتناسقة وملكوت الأرض مثالها في عالم المثال وهو عالم الملكوت الأعلى ، والمقصود من النّظر في ملكوتهما النّظر في دقائق الحكم المودعة في حركاتها المتناسقة المنتظمة المترتّب عليها كلّيّات نظام العالم وجزئيّاته الّتى لا يشكّ العاقل في انّها ليست من أجرامها من غير علم وشعور ، بل لها مسخّر عالم شاعر حكيم وإذا عرف الإنسان ذلك من السّماوات والأرض لم يتوقّف في معرفة الآخرة ومعرفة الله وصفاته ومعرفة المعاد ، وورد الأمر بالنّظر في السّماوات والأرض وآياتهما وآيات الآفاق والأنفس يؤدّى بالنّاظر الى مدبّرهما ومسخّرهما وملكوتهما (وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) ممّا يطلق عليه اسم الشّيء كائنا ما كان فانّ في كلّ شيء آية قدرته وحكمته (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) أو لم ينظروا في انّه عسى ان يكون قد اقترب أجلهم فيستعدّوا له فيميزوا بين ما ينفعهم حين الأجل وبين ما يضرّهم ، فانّ تذكّر الموت يعين على التّميز بين الحقّ والباطل وعلى رفع الغشاوة والعمه عن البصيرة (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ) بعد الأجل (يُؤْمِنُونَ) ولا حديث بعده و (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ)(مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ) جواب لسؤال ناش ممّا سبق كأنّه قيل : فما بالهم لا يؤمنون بعد وضوح الحقّ ويتقّن الموت؟! (وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) يتحيّرون (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) قد فسّر السّاعة في رواياتنا بالقيامة وبظهور القائم عجّل الله فرجه وبوقت الموت والكلّ في العالم الصّغير راجع الى معنى واحد وهو اوّل وقت الموت ، فانّه من مات قامت قيامته ويظهر القائم من آل محمّد (ص) حين الموت على المؤمن والكافر وكذا في العالم الكبير ، فانّ الإنسان بعد طىّ البرازخ سعيدا كان أو شقيّا تقوم قيامته الكبرى وله إماتة اخرى ويظهر القائم حينئذ ظهورا أتمّ من الظّهور الاوّل ويحاسب النّاس ويدخل أهل الجنّة في الجنّة وأهل النّار في النّار ، وقوله تعالى : (أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) ؛ اشارة الى هاتين الإماتتين وهذين الاحيائين ولذا قدّم أمّتنا والسّاعة بكلا معنييه من الأمور الّتى لم يطلع الله عليها أحدا من ملائكته المقرّبين وأنبيائه المرسلين (ع) وأوليائه الكمّلين ، فلا يعلمها الّا الله ويقدّم منها ما يشاء ويؤخّر فمن ادّعى علمها فهو كذّاب وقد ورد لعن الله الموقّتين ، بل التّحقيق انّ السّاعة خارجة من الوقت واقعة فوق الوقت ليس لها وقت زمانىّ بل هي من الملكوت والزّمان من الملك وتحديد الملكوت بالملك من غاية الجهل ولهذا نسب الله تعالى الى عدم العلم والجهل من سأل عنها (أَيَّانَ مُرْساها) وقوعها سؤال عن توقيت السّاعة (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) لأنّه استأثره لنفسه (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها) لا يظهرها في وقتها (إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لانّ صغريها وكبراها ترفع الحدود والتّعيّنات وتميت الانّيّات وتظهر الحقّ وتبيد الباطل وليست السّماوات والأرض وأهلهما الّا التّعيّنات والانّيّات الباطلة ولا ثقل أثقل ممّا يرفع الشّيء ولا يبقى له أثرا (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) من غير تقدّم اثر وعلامة (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) يعنى يلحّون في السّؤال عنك كأنّك ملحّ علينا في السّؤال عنها (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) تأكيد في الرّدّ عليهم (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) انّها ممّا ليس يبذلها الله لغيره وانّها فوق الوقت لا يمكن توقيتها بوقت (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا) فلا يكون لي الاطّلاع على الغيوب وهو تبرّء من الانانيّة وإقرار بالعجز والعبوديّة ، كما هو شأن العارف بالرّبوبيّة وكناية عن نفى علم الغيب عن نفسه مطلقا اشارة الى العجز في قوّته العمّالة والجهل في قوّته العلّامة بحسب التّنزّل