الى مقام البشريّة وما كان يظهر منه من القدرة والعلم بالغيوب ، فانّما هو بحسب جنبته الملكوتيّة الّتى هي من عالم الرّبوبيّة (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) ان يملكني على ظاهره ويعلمني على معناه المكنّى (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ) تصريح بالنّفى المكنّى تأكيدا وتحقيق له بالبرهان الحسّىّ على زعمهم فانّهم لا يرون خيرا الّا ما زعموه خيرا من الاعراض الدّنيويّة (لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) السّعة في المال والصّحّة والسّلامة (وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) الآفة في المال وفي الأنفس (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ) للكافرين بقرينة المقابلة مع بشير ، وتقييده بالمؤمنين أو مطلقا كما هو ظاهره لكن للمؤمنين من الجهات النّفسانيّة الّتى تؤدّى الى الكفر وللكفّار من كفرهم (وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) نفى لجملة الشّؤن عن نفسه وإثبات للانذار والتّبشير الّذين هما بأمر الله كأنّه قال : ليس لي شأن الّا امر الله وهو غاية التّوحيد فعلا وصفة ، ولمّا كان هذا منه (ص) توحيدا عقّبه تعالى شأنه باشراك آدم وحوّاء في مخلوقه الّذى لا ينبغي الإشراك فيه اشراكا في الآلهة ، وهو ينافي توحيد اله العالم الّذى هو دون توحيد الأفعال والصّفات إبداء لفضله (ص) وتقديما لذمّ أولادهما في الشّرك في العبوديّة الّذى هو أقبح من الشّرك في الآلهة ومستلزم له فقال (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) منّا منه سبحانه بنعمة الوجود واثباتا لتوحيده في العبادة ولذا وبّخهم على الإشراك معلّلا بانّ ما جعلوه شريكا لا يخلق شيئا (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها) إذا رءاها من سنخها ، وتذكير ضمير يسكن بلحاظ المعنى ويجوز ان يراد بنفس واحدة ، حوّاء ويكون معنى جعل منها زوجها جعل من سنخها زوجها وهما آدم (ع) وحوّاء (ع) في العالم الكبير والجهتان العقلانيّة والنّفسانيّة للإنسان اللّتان هما نازلتا العقل في العالم الصّغير (فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) لا يظهر اثر ثقله (فَمَرَّتْ بِهِ) استمرّت مع الحمل (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) صارت ذات ثقل (دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً) في النّفس والبدن (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً) منّة اخرى عليهما (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) بدّلا النّعمة بالكفران والوعد بالخلف. اعلم ، انّ للاشراك بالله مراتب عديدة : الاوّل ، الإشراك به في وجوب وجوده كاشراك أكثر الثّنويّة القائلين بانّ للعالم مبدئين قديمين مسمّيين بالنّور والظّلمة أو يزدان واهريمن ، والثّانى ، الإشراك في الآلهة كاشراك بعض الثّنويّة القائل بانّ القديم والواجب الوجود واحد والظّلمة أو اهريمن مخلوق منه لكن له الآلهة في العالم وانّ الشّرور كلّها منه لا من الله ، والثّالث ، الإشراك في العبادة كاشراك أكثر الصّابئين واشراك الوثنيّين والعجليّين وغيرهم ممّن يعبد غير الله من مخلوقاته تقرّبا بها الى الله ، والرّابع ، الإشراك في الوجود كاشراك معظم النّاس الّا من شذّ الّذين لا يرون في الوجود الّا الموجودات المتكثّرة المتقابلة كلّ من الآخر والكلّ مع الله ، والخامس ، الإشراك في الطّاعة كاشراك من أشرك في طاعة الأنبياء (ع) والأولياء (ع) وخلفائهما طاعة غيرهم من ائمّة الجور وعلماء السّوء والسّلاطين والأمراء والحكّام ، والسّادس ، الإشراك في المحبّة كاشراك من أشرك في محبّة الله ومحبّة خلفائه محبّة غيره وكاشراك من أشرك في المحبّة بان كان مصدرها الهيّا ونفسانيّا أو غايتها الهيّا ونفسانيّة ، والسّابع ، الإشراك في الولاية وهي اشدّها وأعظمها بان أشرك مع ولىّ الأمر أو نبىّ الوقت غيره في البيعة الخاصّة الولويّة أو العامّة النّبويّة أو أذعن بنبوّة من ليس بنبىّ أو بولاية من ليس له الولاية ، فقوله تعالى : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) ، المقصود منه أحد المعاني السّابقة غير الثّلاثة الاول وكلّ هذه المعاني غير الكفر بالله في كلّ مرتبة فانّه يقتضي قطع النّظر عن الله واستبداد النّظر الى غيره ، وما يجرى في أهل العالم