بأنفسهم ولا بفعل أنفسهم بل كانت الملائكة تقلّبهم وتوقع الحركة فيهم وتظهر صورة القتال على أيديهم فلو قال تعالى : أنتم لم تقتلوهم كان اثباتا لنفسيّة لهم ونفيا للفعل عنهم ، وكذا لو قال : إذ قتلتموهم كان اثباتا للفعل والنّفسيّة جميعا لهم ، والحال انّه لم يكن في نظرهم نفسيّة لأنفسهم ولا فعل وأيضا لو قال : ما قتلتموهم ، كان اشعارا بنفسيّة ما لهم حيث صرّح بالفاعل بخلاف لم تقتلوهم ، فانّ الواو وان كان ضميرا لكنّه مشترك بين الغائب والحاضر وحرف الاعراب فكأنّه غير مصرّح بالفاعل ، والرّسول (ص) لمّا كان له نفسيّة بنفسيّة الله وبقاء ببقاء الله أتى بالماضي المصرّح بالفاعل ثمّ اثبت له الفعل المنفىّ ولم يقدّم المسند اليه هاهنا لانّه يقتضي المقابلة لله أو المشاركة معه وكلاهما منتف في الواقع وفي نظره (ص) ، لانّ نفسيّته لم تكن الّا بنفسيّة الله ومنه يظهر وجه اختلاف اداتى النّفى أيضا. وامّا وجه الاختلاف بذكر المفعول وحذفه فهو انّ القتل ظهر على أيديهم وبحسب اقتضاء ظهوره في المظاهر البشريّة وصل الى المقتولين بخلاف الرّمى ، فانّه وان ظهر على يده (ص) إذ روى انّه (ص) أخذ كفّا من الحصا بوحي من الله وقرأ : شاهت الوجوه للحىّ القيّوم ، ورماه فلم يبق أحد الّا اشتغل بعينه لكنّ القوّة القسريّة المودعة في الحصاء من المظهر البشرىّ لم تقتض سعة كفّ من الحصا نحوا من الف رجل ولا انحرافها الى كلّ في كلّ ناحية ، فالرّمى كان منه بحسب مظهريّته والإيصال الى المشركين لم يكن منه لا حقيقة ولا بحسب مظهريّته فأسقط المفعول هنا اشعارا بانّ أصل الرّمى ظهر على يده ولكنّ الإيصال الى المشركين لم يجر على يده (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) أتى بالعاطف مع انّ المقصود انّ الله قتل ورمى ليبلى المؤمنين لانّ المقصود من الاوّل نفى القتل والرّمى عنهم وإثباته لنفسه تعالى مع قطع النّظر عن السّبب والغاية ولو أتى بالقيد لأوهم انّ المراد نفى الفعل عنهم مقيّدا بالغاية المخصوصة وإثباته كذلك ، مع انّه لم يكن المقصود الّا نفى أصل الفعل وإثباته فهو معطوف على قوله (لكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) ورماهم بتقدير قتلهم أو هو خبر مقدّم لقوله ذلكم والمعنى انّه قتلهم ورماهم لينعم على المؤمنين نعمة حسنة من الغنيمة وإعلاء الكلمة ، أو المعنى ليختبر المؤمنين من قبله اختبارا حسنا لا تعب فيه ولا انحراف عن الحقّ يعتبريه ابتلاهم بمجاهدة الأعداء مع قلّة عددهم وكثرة العدوّ ، وكونه اختبارا وامتحانا واضح ، وكونه حسنا لحسن عاقبته بحصول قوّة القلب لهم وقوّة الايمان مع الغلبة وإعلاء الكلمة والغنيمة الوافرة وفداء الأسرى ، ولعلّ هذا كان أوفق بسياق العبارة ومعاني اللّغة فانّ الإبلاء والبلاء بمعنى الاختبار كثير الاستعمال وبمعنى الانعام لم يذكره بعض اللّغويّين (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لدعاء النّبىّ (ص) واستغاثة المؤمنين (عَلِيمٌ) بما يصلحهم من الانعام وعدمه أو انّ الله سميع لمقالتهم للنّبىّ (ص) وكراهة المقاتلة عليم بما هو صلاحهم من الجهاد مع العدوّ ومعارضة العير والغارة عليهم (ذلِكُمْ) البلاء أو القتل والرّمى وهو مبتدأ مؤخّر أو خبر مبتدء محذوف (وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ) عطف على ليبلي أو على ذلكم (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا) ايّها الكافرون على ان يكون الخطاب لمشركي مكّة كما قيل : انّهم وقت الخروج من مكّة لغزو بدر تعلّقوا بأستار الكعبة وطلبوا الفتح والنّصرة على محمّد (ص) ونقل أيضا انّ أبا جهل استفتح يوم بدر وطلب النّصرة من الله وقيل الخطاب للمؤمنين (فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) تهكّما (وَإِنْ تَنْتَهُوا) عن معاداة الرّسول (ص) وجحوده (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) يعنى هو المختار وليس المقصود اعتبار التّفضيل ، أو التّفضيل مقصود بالنّسبة الى اعتقادهم (وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً) اى إغناء أو ضرّا كما لم تغن هذه الكثرة (وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) الجملة حاليّة على قراءة انّ بالكسر ، وعلى قراءة انّ بالفتح فهي معطوفة