يناسبها التّعريف باللّام ، ولا تصيبنّ منفىّ مؤكّد بالنّون يجبر شذوذ تأكيده بالنّون بمطلوبيّة المبالغة فيه أو منهىّ مقدّر بالقول ، وفيه وجوه أخر بعيدة عن اللّفظ غير متعلّق بها غرض معنوىّ. اعلم ، انّ الظّلم عبارة عن منع الحقّ عن المستحقّ وإيصاله الى غير المستحقّ وهذا المعنى لا اختصاص له بشيء دون شيء وشخص دون شخص وحقّ دون حقّ ، فمنع الأطفال والنّسوان والأراذل عن مشتهياتهم ظلم بوجه وان كان عدلا بوجه ولذا ورد ثلاثة ان لم تظلموهنّ ظلموك : النّساء والصّبيان والسّفلة ، ومنع الننفس وقواها عن مشتهياتها ظلم بوجه وبالنّسبة إليها وان كان بالنّسبة الى اللّطيفة الانسانيّة عدلا «ظلم بين كز عدلها گو مى برد» ومنع النّفس من حكومة العقل والانقياد تحت امره ظلم ، ومنعها من الانقياد تحت حكومة نبىّ الوقت بالبيعة العامّة ظلم ، وحقيقة الظّلم وأصله وملاكه هو منع اللّطيفة الانسانيّة من قبول الولاية وبواسطته يتحقّق حقيقة الظّلم في كلّ ظلم ، ولولاه لم يكن الظّلم ظلما ، وان كان بصورة الظّلم كقتل محمّد (ص) ونهبه واجلائه كثيرا من مخالفيه وكقتل علىّ (ع) النّاكثين والمارقين والقاسطين ولكونه بصورة الظّلم حملوه على الظّلم وقالوا فيه ما قالوا وفعلوا ما فعلوا حتّى قتلوه ، ولو لا الولاية لم يكن عدل وان كان الخالي عن الولاية بصورة العدل كفعل معاوية وعدله في الامّة ، والمقصود من (الَّذِينَ ظَلَمُوا) هم الّذين كانوا من أمّة محمّد (ص) وبايعوا بالبيعة العامّة بقرينة قوله (مِنْكُمْ) خطابا للامّة وظلموا بمنع الإسلام عن حقّه الّذى هو الهداية الى الايمان وترك مودّة ذوي القربى الّتى هي غاية التّبليغ ، والبيعة كأنّ غيره من الخطايا لا تعدّ ظلما منهم وأيضا التّقييد بقوله (مِنْكُمْ) واعتبار حيثيّة القيد يشعر به ، فالظّلم الّذى هو بعد الدّخول تحت حكومة النّبىّ (ص) من حيث هو بعد الدّخول المذكور ليس الّا منع اللّطيفة السّيّارة الانسانيّة عن الدّخول تحت حكم ولىّ الأمر بالبيعة الخاصّة الّتى بها يدخل الايمان في القلب وبها يتحقّق حقيقة العدل في كلّ عدل وبها ينفتح باب القلب الى الملكوت ، وبها يمكن السّير على الطّريق المستقيم الى الله ، والمراد بالفتنة المقيّدة هو الانحراف عن ولّى الوقت فانّ من كان واقفا على البيعة العامّه كان ظالما على اللّطيفة الانسانيّة والفتنة المصيبة لهم هو الوقوف والانحراف عن البيعة الخاصّة مع ولىّ الوقت الّذى هو علىّ (ع) وهي الفتنة المجاوزة عنهم الى المبتاعين بالبيعة الخاصّة مع محمّد (ص) بعد رحلته والمبتاعين بالبيعة الخاصّة مع علىّ (ع) بعد رحلته والى المبتاعين بالبيعة الخاصّة مع الحسن (ع) بعد رحلته وهكذا الى انقراض العالم. وتفسير الفتنة بما يصل اثره الى غير الفاعل كالغيبة والبدعة وغيرهما يناسب ظاهر التّنزيل واللّفظ لكن ليست هي المقصودة ؛ وقد ورد في الاخبار الاشعار بما ذكرنا غاية الأمر انّها داخلة تحت الآية من باب سعة وجوه القرآن (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) فاتّقوا مطلق الفتنة خصوصا الفتنة المذكورة الّتى هي أصل كلّ الفتن (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) من حيث العدد أو من حيث المال ولفظ قليل قد يفرد وقد يجمع (مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) تذكير لهم بنعمه والمراد ضعفهم قبل المهاجرة (تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) من قريش (فَآواكُمْ) الى المدينة (وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) من الغنائم وغيرها (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وجعل الخطاب للعرب تماما وجعل ضعفهم ذلّتهم عند الرّوم والعجم بعيد جدّا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ) ان كان نزوله في ابى لبابة بن عبد المنذر الانصارىّ في غزوة بنى قريظة ومشورتهم له في نزولهم على حكم سعد بن معاذ كما قرّره الرّسول (ص) وقوله لهم : ان تنزّلوا على حكمه